الملابس للسانه. وقد ورد في سفر الملوك وفي سفر المزامير أنّ داود لعن الّذين يبدّلون الدّين ، وجاء في المزمور الثّالث والخمسين «الله من السّماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله كلّهم قد ارتدّوا معا فسدوا ـ ثم قال ـ أخزيتهم لأنّ الله قد وفضهم ليت من صهيون خلاص إسرائيل» وفي المزمور ١٠٩ «قد انفتح عليّ فم الشرّير وتكلّموا معي بلسان كذب أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب ـ ثمّ قال ـ ينظرون إليّ وينغضون رءوسهم ـ ثمّ قال ـ أمّا هم فيلعنون وأمّا أنت فتبارك ، قاموا وخزوا أمّا عبدك فيفرح» ذلك أنّ بني إسرائيل كانوا قد ثاروا على داود مع ابنه ابشلوم. وكذلك لعنهم على لسان عيسى متكرّر في الأناجيل. و «ذلك» إشارة إلى اللّعن المأخوذ من لعن أو إلى الكلام السابق بتأويل المذكور. والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا ؛ كأنّ سائلا يسأل عن موجب هذا اللّعن فأجيب بأنّه بسبب عصيانهم وعدوانهم ، أي لم يكن بلا سبب. وقد أفاد اسم الإشارة مع باء السّببيّة ومع وقوعه في جواب سؤال مقدّر أفاد مجموع ذلك مفاد القصر ، أي ليس لعنهم إلّا بسبب عصيانهم كما أشار إليه في «الكشاف» وليس في الكلام صيغة قصر ، فالحصر مأخوذ من مجموع الأمور الثّلاثة. وهذه النّكتة من غرر صاحب «الكشاف». والمقصود من الحصر أن لا يضلّ النّاس في تعليل سبب اللّعن فربّما أسندوه إلى سبب غير ذلك على عادة الضّلّال في العناية بالسفاسف والتّفريط في المهمّات ، لأنّ التفطّن لأسباب العقوبة أوّل درجات التّوفيق. ومثل ذلك مثل البله من النّاس تصيبهم الأمراض المعضلة فيحسبونها من مسّ الجنّ أو من عين أصابتهم ويعرضون عن العلل والأسباب فلا يعالجونها بدوائها.
و (ما) في قوله (بِما عَصَوْا) مصدريّة ، أي بعصيانهم وكونهم معتدين ، فعدل عن التّعبير بالمصدرين إلى التعبير بالفعلين مع (ما) المصدرية ليفيد الفعلان معنى تجدّد العصيان واستمرار الاعتداء منهم ، ولتفيد صيغة المضي أنّ ذلك أمر قديم فيهم ، وصيغة المضارع أنّه متكرّر الحدوث. فالعصيان هو مخالفة أوامر الله تعالى. والاعتداء هو إضرار الأنبياء. وإنّما عبّر في جانب العصيان بالماضي لأنّه تقرّر فلم يقبل الزّيادة ، وعبّر في جانب الاعتداء بالمضارع لأنّه مستمرّ ، فإنّهم اعتدوا على محمّد صلىاللهعليهوسلم بالتّكذيب والمنافقة ومحاولة الفتك والكيد.
وجملة (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لسؤال ينشأ عن قوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) ، وهو أن يقال كيف تكون أمّة كلّها متمالئة على العصيان