والمشركون للحسد على أن سبقهم المسلمون بالاهتداء إلى الدين الحقّ ونبذ الباطل.
وقوله : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً) أي أقرب النّاس مودّة للذين آمنوا ، أي أقرب الناس من أهل الملل المخالفة للإسلام. وهذان طرفان في معاملة المسلمين. وبين الطرفين فرق متفاوتة في بغض المسلمين ، مثل المجوس والصابئة وعبدة الأوثان والمعطّلة.
والمراد بالنصارى هنا الباقون على دين النصرانية لا محالة ، لقوله : (أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا). فأمّا من آمن من النصارى فقد صار من المسلمين.
وقد تقدّم الكلام على نظير قوله : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) في قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) [المائدة : ١٤] ، المقصود منه إقامة الحجّة عليهم بأنّهم التزموا أن يكونوا أنصار الله (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) [الصف : ١٤] ، كما تقدّم في تفسير نظيره. فالمقصود هنا تذكيرهم بمضمون هذا اللقب ليزدادوا من مودّة المسلمين فيتّبعوا دين الإسلام.
وقوله : (ذلِكَ) الإشارة إلى الكلام المتقدّم ، وهو أنّهم أقرب مودة للذين آمنوا. والباء في قوله : (بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) باء السببية ، وهي تفيد معنى لام التعليل. والضمير في قوله (مِنْهُمْ) راجع إلى النصارى.
والقسّيسون جمع سلامة لقسّيس بوزن سجّين. ويقال قسّ ـ بفتح القاف وتشديد السين ـ وهو عالم دين النصرانية. وقال قطرب : هي بلغة الروم. وهذا ممّا وقع فيه الوفاق بين اللغتين.
والرهبان هنا جمع راهب ، مثل ركبان جمع راكب ، وفرسان جمع فارس ، وهو غير مقيس في وصف على فاعل. والراهب من النصارى المنقطع في دير أو صومعة للعبادة.
وقال الراغب : الرهبان يكون واحدا وجمعا ، فمن جعله واحدا جمعه على رهابين ورهابنة. وهذا مروي عن الفرّاء. ولم يحك الزمخشري في الأساس أنّ رهبان يكون مفردا. وإطلاقه على الواحد في بيت أنشده ابن الأعرابي :
لو أبصرت رهبان دير بالجبل |
|
لانحدر الرّهبان يسعى ويزل |
وإنّما كان وجود القسّيسين والرهبان بينهم سببا في اقتراب مودّتهم من المؤمنين لما هو معروف بين العرب من حسن أخلاق القسّيسين والرهبان وتواضعهم وتسامحهم. وكانوا منتشرين في جهات كثيرة من بلاد العرب يعمّرون الأديرة والصوامع والبيع ، وأكثرهم من