بينهما غالبا.
وقوله : (إِذا حَلَفْتُمْ) أي إذا حلفتم وأردتم التحلّل ممّا حلفتم عليه فدلالة هذا من دلالة الاقتضاء لظهور أن ليست الكفّارة على صدور الحلف بل على عدم العمل بالحلف لأنّ معنى الكفارة يقتضي حصول إثم ، وذلك هو إثم الحنث.
وعن الشافعي أنّه استدلّ بقوله : (كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) على جواز تقديم الكفّارة على وقوع الحنث ، فيحتمل أنّه أخذ بظاهر إضافة (كَفَّارَةُ) إلى (أَيْمانِكُمْ) ، ويحتمل أنّه أراد أنّ الحلف هو سبب السبب فإذا عزم الحالف على عدم العمل بيمينه بعد أن حلف جاز له أن يكفّر قبل الحنث لأنّه من تقديم العوض ، ولا بأس به. ولا أحسب أنّه يعني غير ذلك. وليس مراده أنّ مجرّد الحلف هو موجب الكفّارة. وإذ قد كان في الكلام دلالة اقتضاء لا محالة فلا وجه للاستدلال بلفظ الآية على صحّة تقديم الكفّارة. وأصل هذا الحكم قول مالك بجواز التكفير قبل الحنث إذا عزم على الحنث. ولم يستدلّ بالآية. فاستدلّ بها الشافعي تأييدا للسنّة. والتكفير بعد الحنث أولى.
وعقّب الترخيص الذي رخّصه الله للنّاس في عدم المؤاخذة بأيمان اللغو فقال (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ). فأمر بتوخّي البرّ إذا لم يكن فيه حرج ولا ضرّ بالغير ، لأنّ في البرّ تعظيم اسم الله تعالى. فقد ذكرنا في سورة البقرة أنّهم جرى معتادهم بأنّ يقسموا إذا أرادوا تحقيق الخبر ، أو إلجاء أنفسهم إلى عمل يعزمون عليه لئلّا يندموا عن عزمهم ، فكان في قوله (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) زجر لهم عن تلك العادة السخيفة. وهذا الأمر يستلزم الأمر بالإقلال من الحلف لئلّا يعرّض الحالف نفسه للحنث. والكفّارة ما هي إلّا خروج من الإثم. وقد قال تعالى لأيّوب ـ عليهالسلام ـ : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) [ص : ٤٤]. فنزّهه عن الحنث بفتوى خصّه بها.
وجملة (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) تذييل. ومعنى (كَذلِكَ) كهذا البيان يبيّن الله ، فتلك عادة شرعه أن يكون بيّنا ، وقد تقدّم القول في نظيره في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣].
وتقدّم القول في معنى (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) عند قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) في سورة البقرة [٢١].
[٩٠ ، ٩١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ