وهو قول أبي حنيفة خلافا لصاحبيه ، وهو استدلال لا يعرف له نظير في الأدلّة الفقهية. وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد : يجوز أكل الخيل. وثبت في الصحيح ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : ذبحنا فرسا على عهد رسول الله فأكلناه. ولم يذكر أنّ ذلك منسوخ. وعن جابر بن عبد الله أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخّص في لحوم الخيل.
وأمّا الحمر الأهلية فقد ورد في الصحيح أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم نهى عن أكلها في غزوة خيبر. فقيل : لأنّ الحمر كانت حمولتهم في تلك الغزاة. وقيل : نهى عنها أبدا. وقال ابن عباس بإباحتها. فليس لتحريم هذه الثلاثة على الإطلاق وجه بيّن من الفقه ولا من السنّة.
والميتة الحيوان الذي زالت منه الحياة ، والموت حالة معروفة تنشأ عن وقوف حركة الدم باختلال عمل أحد الأعضاء الرئيسية أو كلّها. وعلّة تحريمها أنّ الموت ينشأ عن علل يكون معظمها مضرّا بسبب العدوى ، وتمييز ما يعدي عن غيره عسير ، ولأنّ الحيوان الميّت لا يدرى غالبا مقدار ما مضى عليه في حالة الموت ، فربّما مضت مدّة تستحيل معها منافع لحمه ودمه مضارّ ، فنيط الحكم بغالب الأحوال وأضبطها.
والدم هنا هو الدم المهراق ، أي المسفوح ، وهو الذي يمكن سيلانه كما صرّح به في آية الأنعام [١٤٥] ، حملا لمطلق هذه الآية على مقيّد آية الأنعام ، وهو الذي يخرج من عروق جسد الحيوان بسبب قطع العرق وما عليه من الجلد ، وهو سائل لزج أحمر اللون متفاوت الحمرة باختلاف السنّ واختلاف أصناف العروق.
والظاهر أنّ علّة تحريمه القذارة : لأنّه يكتسب رائحة كريهة عند لقائه الهواء ، ولذلك قال كثير من الفقهاء بنجاسة عينه ، ولا تعرّض في الآية لذلك ، أو لأنّه يحمل ما في جسد الحيوان من الأجزاء المضرّة التي لا يحاط بمعرفتها ، أو لما يحدثه تعوّد شرب الدم من الضراوة التي تعود على الخلق الإنساني بالفساد. وقد كانت العرب تأكل الدم ، فكانوا في المجاعات يفصدون من إبلهم ويخلطون الدم بالوبر ويأكلونه ، ويسمّونه العلهز ـ بكسر العين والهاء. ـ وكانوا يملئون المصير بالدم ويشوونها ويأكلونها ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ) في سورة البقرة [١٧٣].
وإنّما قال : (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) ولم يقل والخنزير كما قال : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) إلى آخر المعطوفات. ولم يذكر تحريم الخنزير في جميع آيات القرآن إلّا بإضافة لفظ لحم إلى الخنزير. ولم يأت المفسّرون في توجيه ذلك بوجه ينثلج له الصدر. وقد بيّنا ذلك في