(وَالنَّطِيحَةُ) فعيلة بمعنى مفعولة. والنطح ضرب الحيوان ذي القرنين بقرنيه حيوانا آخر. والمراد التي نطحتها بهيمة أخرى فماتت. وتأنيث النطيحة مثل تأنيث المنخنقة ، وظهرت علامة التأنيث في هذه الأوصاف وهي من باب فعيل بمعنى مفعول لأنّها لم تجر على موصوف مذكور فصارت بمنزلة الأسماء.
(وَما أَكَلَ السَّبُعُ) : أي بهيمة أكلها السبع ، والسبع كلّ حيوان يفترس الحيوان كالأسد والنمر والضبع والذئب والثعلب ، فحرّم على الناس كلّ ما قتله السبع ، لأنّ أكيلة السبع تموت بغير سفح الدم غالبا بل بالضرب على المقاتل.
وقوله : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) استثناء من جميع المذكور قبله من قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ؛ لأنّ الاستثناء الواقع بعد أشياء يصلح لأن يكون هو بعضها ، يرجع إلى جميعها عند الجمهور ، ولا يرجع إلى الأخيرة إلّا عند أبي حنيفة والإمام الرازي ، والمذكورات قبل بعضها محرّمات لذاتها وبعضها محرّمات لصفاتها. وحيث كان المستثنى حالا لا ذاتا ، لأنّ الذكاة حالة ، تعيّن رجوع الاستثناء لما عدا لحم الخنزير ، إذ لا معنى لتحريم لحمه إذا لم يذكّ وتحليله إذا ذكّي ، لأنّ هذا حكم جميع الحيوان عند قصد أكله. ثم إنّ الذكاة حالة تقصد لقتل الحيوان فلا تتعلّق بالحيوان الميّت ، فعلم عدم رجوع الاستثناء إلى الميتة لأنّه عبث ، وكذلك إنّما تتعلّق الذكاة بما فيه حياة فلا معنى لتعلّقها بالدم ، وكذا ما أهلّ لغير الله به ، لأنهم يهلّون به عند الذكاة ، فلا معنى لتعلّق الذكاة بتحليله ، فتعيّن أنّ المقصود بالاستثناء : المنخنقة ، والموقوذة ، والمتردّية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، فإنّ هذه المذكورات تعلّقت بها أحوال تفضي بها إلى الهلاك ، فإذا هلكت بتلك الأحوال لم يبح أكلها لأنّها حينئذ ميتة ، وإذا تداركوها بالذكاة قبل الفوات أبيح أكلها. والمقصود أنّها إذا ألحقت الذكاة بها في حالة هي فيها حيّة. وهذا البيان ينبّه إلى وجه الحصر في قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [الأنعام : ١٤٥]. فذكر أربعة لا تعمل الذكاة فيها شيئا ولم يذكر المنخنقة والموقوذة وما عطف عليها هنا ، لأنّها تحرم في حال اتّصال الموت بالسبب لا مطلقا. فعضّوا على هذا بالنواجذ.
وللفقهاء في ضبط الحالة التي تعمل فيها الذكاة في هاته الخمس عبارات مختلفة : فالجمهور ذهبوا إلى تحديدها بأن يبقى في الحيوان رمق وعلامة حياة ، قبل الذبح أو النحر ، من تحريك عضو أو عين أو فم تحريكا يدلّ على الحياة عرفا ، وليس هو تحريك