وقوله : (اثْنانِ) خبر عن (شَهادَةُ) ، أي الشهادة على الوصية شهادة اثنين ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فأخذ إعرابه ، والقرينة واضحة والمقصود الإيجاز. فما صدق (اثْنانِ) شاهدان ، بقرينة قوله (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) ، وقوله : (ذَوا عَدْلٍ). وهذان الشاهدان هما وصيّان من الميّت على صفة وصيّته وإبلاغها ، إلّا أن يجعل الموصي وصيا غيرهما فيكونا شاهدين على ذلك. والعدل والعدالة متّحدان ، أي صاحبا اتّصاف بالعدالة.
ومعنى (مِنْكُمْ) من المؤمنين ، كما هو مقتضى الخطاب بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، لأنّ المتكلّم إذا خاطب مخاطبه بوصف ثم أتبعه بما يدلّ على بعضه كان معناه أنّه بعض أصحاب الوصف ، كما قال الأنصار يوم السقيفة : منّا أمير ومنكم أمير. فالكلام على وصية المؤمنين. وعلى هذا درج جمهور المفسّرين ، وهو قول أبي موسى الأشعري ، وابن عبّاس ، وسعيد بن المسيّب ، وقتادة ، والأئمة الأربعة. وهو الذي يجب التعويل عليه ، وهو ظاهر الوصف بكلمة (مِنْكُمْ) في مواقعها في القرآن.
وقال الزهري ، والحسن ، وعكرمة : معنى قوله (مِنْكُمْ) من عشيرتكم وقرابتكم. ويترتّب على التفسير الأول أن يكون معنى مقابله وهو (مِنْ غَيْرِكُمْ) أنّه من غير أهل ملّتكم. فذهب فريق ممّن قالوا بالتفسير الأول إلى إعمال هذا وأجازوا شهادة غير المسلم في السفر في الوصية خاصّة ، وخصّوا ذلك بالذمّي ، وهو قول أحمد ، والثوري ، وسعيد بن المسيّب ، ونسب إلى ابن عبّاس ، وأبي موسى. وذهب فريق إلى أنّ هذا منسوخ بقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] ، وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، ونسب إلى زيد بن أسلم. وقد تمّ الكلام على الصورة الكاملة في شهادة الوصية بقوله : (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
وقوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) الآيات .. تفصيل للحالة التي تعرض في السفر. و (أو) للتقسيم لا للتخيير ، والتقسيم باعتبار اختلاف الحالين : حال الحاضر وحال المسافر ، ولذلك اقترن به قوله : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) ، فهو قيد لقوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ).
وجواب الشرط في قوله : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) محذوف دلّ عليه قوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ، والتقدير : إن أنتم ضربتم في الأرض فشهادة آخرين من غيركم ، فالمصير إلى شهادة شاهدين من غير المسلمين عند من يراه مقيّد بشرط (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ). والضرب في الأرض : السير فيها. والمراد به السفر ، وتقدّم عند قوله