تعالى : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) في سورة آل عمران [١٥٦].
ومعنى : (فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) حلّت بكم ، والفعل مستعمل في معنى المشارفة والمقاربة ، كما في قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً) [النساء : ٩] ، أي لو شارفوا أن يتركوا ذرّيّة. وهذا استعمال من استعمال الأفعال. ومنه قولهم في الإقامة : قد قامت الصلاة.
وعطف قوله (فَأَصابَتْكُمْ) على (ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) ، فكان من مضمون قوله قبله (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ). أعيد هنا لربط الكلام بعد ما فصل بينه من الظروف والشروط. وضمير الجمع في (فَأَصابَتْكُمْ) كضمير الجمع في (ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ).
والمصيبة : الحادثة التي تحلّ بالمرء من شرّ وضرّ ، وتقدّم عند قوله تعالى : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) في سورة النساء [٧٢].
وجملة (تَحْبِسُونَهُما) حال من (آخَرانِ) عند من جعل قوله (مِنْ غَيْرِكُمْ) بمعنى من غير أهل دينكم. وأمّا عند من جعله بمعنى من غير قبيلتكم فإنّه حال من (اثْنانِ) ومن (آخَرانِ) لأنّهما متعاطفان ب (أو). فهما أحد قسمين ، ويكون التحليف عند الاسترابة. والتحليف على هذا التأويل بعيد إذ لا موجب للاسترابة في عدلين مسلمين.
وضمير الجمع في (تَحْبِسُونَهُما) كضميري (ضَرَبْتُمْ) ـ و (فَأَصابَتْكُمْ). وكلّها مستعملة في الجمع البدلي دون الشمولي ، لأنّ جميع المخاطبين صالحون لأن يعتريهم هذا الحكم وإنّما يحلّ ببعضهم. فضمائر جمع المخاطبين واقعة موقع مقتضى الظاهر كلّها. وإنّما جاءت بصيغة الجمع لإفادة العموم ، دفعا لأن يتوهّم أنّ هذا التشريع خاصّ بشخصين معيّنين لأنّ قضية سبب النزول كانت في شخصين ؛ أو الخطاب والجمع للمسلمين وحكّامهم.
والحبس : الإمساك ، أي المنع من الانصراف. فمنه ما هو بإكراه كحبس الجاني في بيت أو إثقافه في قيد. ومنه ما يكون بمعنى الانتظار ، كما في حديث عتبان بن مالك فغدا علي رسول الله وأبو بكر ـ إلى أن قال ـ وحبسناه على خزير صنعناه ، أي أمسكناه. وهذا هو المراد في الآية ، أي تمسكونهما ولا تتركونهما يغادرانكم حتّى يتحمّلا الوصية. وليس المراد به السجن أو ما يقرب منه ، لأنّ الله تعالى قال : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) [البقرة : ٢٨٢].