وقوله : (مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) توقيت لإحضارهما وإمساكهما لأداء هذه الشهادة. والإتيان ب (من) الابتدائية لتقريب البعديّة ، أي قرب انتهاء الصلاة. وتحتمل الآية أنّ المراد بالصلاة صلاة من صلوات المسلمين ، وبذلك فسّرها جماعة من أهل العلم ، فمنهم من قال : هي صلاة العصر. وروي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أحلف تميما الداري وعدي بن بدّاء في قضية الجام بعد العصر ، وهو قول قتادة ، وسعيد ، وشريح ، والشعبي. ومنهم من قال : الظهر ، وهو عن الحسن. وتحتمل من بعد صلاة دينهما على تأويل من غيركم بمعنى من غير أهل دينكم. ونقل عن السديّ ، وابن عبّاس ، أي تحضرونهما عقب أدائهما صلاتهما لأنّ ذلك قريب من إقبالهما على خشية الله والوقوف لعبادته.
وقوله : (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) عطف على (تَحْبِسُونَهُما) فعلم أنّ حبسهما بعد الصلاة لأجل أن يقسما بالله. وضمير (فَيُقْسِمانِ) عائد إلى قوله (آخَرانِ). فالحلف يحلفه شاهدا الوصية اللذان هما غير مسلمين لزيادة الثقة بشهادتهما لعدم الاعتداد بعدالة غير المسلم.
وقوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) تظافرت أقوال المفسّرين على أنّ هذا شرط متّصل بقوله (تَحْبِسُونَهُما) وما عطف عليه. واستغني عن جواب الشرط لدلالة ما تقدّم عليه ليتأتّى الإيجاز ، لأنّه لو لم يقدّم لقيل : أو آخران من غيركم فإن ارتبتم فيهما تحبسونهما إلى آخره. فيقتضي هذا التفسير أنّه لو لم تحصل الريبة في صدقهما لما لزم إحضارهما من بعد الصلاة وقسمهما ، فصار ذلك موكولا لخيرة الولي. وجملة الشرط معترضة بين فعل القسم وجوابه.
والوجه عندي أن يكون قوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) من جملة الكلام الذي يقوله الشاهدان ، ومعناه أنّ الشاهدين يقولان : إن ارتبتم في شهادتنا فنحن نقسم بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم الشهادة ، أي يقولان ذلك لاطمئنان نفس الموصي ، لأنّ العدالة مظنّة الصدق مع احتمال وجود ما ينافيها ممّا لا يطّلع عليه فأكّدت مظنّة الصدق بالحلف ؛ فيكون شرع هذا الكلام على كلّ شاهد ليستوي فيه جميع الأحوال بحيث لا يكون توجيه اليمين في بعض الأحوال حرجا على الشاهدين الذين توجّهت عليهما اليمين من أنّ اليمين تعريض بالشكّ في صدقهما ، فكان فرض اليمين من قبل الشرع دافعا للتحرّج بينهما وبين الوليّ ، لأنّ في كون اليمين شرطا من عند الله معذرة في المطالبة بها ، كما قال جمهور فقهائنا في يمين القضاء التي تتوجّه على من يثبت حقّا على ميّت أو غائب من أنّها لازمة قبل الحكم مطلقا ولو أسقطها الوارث الرشيد. ولم أقف على من عرّج على هذا المعنى