ستأتي عقبها. وهو ما رواه الطبري عن ابن زيد وجمع ، ونسبه ابن عطيّة إلى عمر بن الخطاب وهو الأصحّ.
ف (الْيَوْمَ) يجوز أن يراد به اليوم الحاضر ، وهو يوم نزول الآية ، وهو إن أريد به يوم فتح مكة ، فلا جرم أنّ ذلك اليوم كان أبهج أيّام الإسلام ، وظهر فيه من قوّة الدين ، بين ظهراني من بقي على الشرك ، ما أيأسهم من تقهقر أمر الإسلام ، ولا شكّ أنّ قلوب جميع العرب كانت متعلّقة بمكة وموسم الحجّ ومناسكه : التي كانت فيها حياتهم الاجتماعية والتجارية والدينية والأدبية ، وقوام شئونهم ، وتعارفهم ، وفصل نزاعهم ، فلا جرم أن يكون انفراد المسلمين بتلك المواطن قاطعا لبقية آمالهم : من بقاء دين الشرك ، ومن محاولة الفتّ في عضد الإسلام. فذلك اليوم على الحقيقة : يوم تمام اليأس وانقطاع الرجاء ، وقد كانوا قبل ذلك يعاودهم الرجاء تارة. فقد قال أبو سفيان يوم أحد «اعل هبل ـ وقال ـ لنا العزّى ولا عزّى لكم». وقال صفوان بن أمية أو أخوه ، يوم هوازن ، حين انكشف المسلمون وظنّها هزيمة للمسلمين : «ألا بطل السحر اليوم».
وكان نزول هذه الآية يوم حجّة الوداع مع الآية التي بعدها ، كما يؤيّده قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم في خطبته يومئذ في قول كثير من أصحاب السير «أيها الناس إنّ الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا ولكنه قد رضي منكم بما دون ذلك فيما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على أنفسكم».
و (الْيَوْمَ) يجوز أن يراد به يوم معين ، جدير بالامتنان بزمانه ، ويجوز أن يجعل (اليوم) بمعنى الآن ، أي زمان الحال ، الصادق بطائفة من الزمان ، رسخ اليأس ، في خلالها ، في قلوب أهل الشرك بعد أن خامر نفوسهم التردّد في ذلك ، فإنّ العرب يطلقون (اليوم) على زمن الحال ، (والأمس) على الماضي ، و (الغد) على المستقبل. قال زهير :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنّني عن علم ما في غد عمي |
يريد باليوم زمان الحال ، وبالأمس ما مضى ، وبالغد ما يستقبل ، ومنه قول زياد الأعجم :
رأيتك أمس خير بني معدّ |
|
وأنت اليوم خير منك أمس |
وأنت غدا تزيد الخير خيرا |
|
كذاك تزيد سادة عبد شمس |
وفعل (يَئِسَ) يتعدّى ب (من) إلى الشيء الذي كان مرجوّا من قبل ، وذلك هو القرينة