من مجموع الآيتين : وجوب القيام بالعدل ، والشهادة به ، ووجوب القيام لله ، والشهادة له.
وتقدّم القول في معنى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) قريبا ، ولكنّه هنا صرّح بحرف (على) وقد بيّناه هنالك. والكلام على العدل تقدّم في قوله : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء : ٥٨].
والضمير في قوله : (هُوَ أَقْرَبُ) عائد إلى العدل المفهوم من (تَعْدِلُوا) ، لأنّ عود الضمير يكتفى فيه بكلّ ما يفهم حتّى قد يعود على ما لا ذكر له ، نحو (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢]. على أنّ العرب تجعل الفعل بمعنى المصدر في مراتب :
المرتبة الأولى : أن تدخل عليه (أن) المصدرية.
الثّانية : أن تحذف (أن) المصدريّة ويبقى النصب بها ، كقول طرفة :
ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى |
|
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي |
بنصب (أحضر) في رواية ، ودلّ عليه عطف (وأن أشهد).
الثّالثة : أن تحذف (أن) ويرفع الفعل عملا على القرينة ، كما روي بيت طرفة (أحضر) برفع أحضر ، ومنه قول المثل (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) ، وفي الحديث «تحمل لأخيك الركاب صدقة».
الرابعة : عود الضمير على الفعل مرادا به المصدر ، كما في هذه الآية. وهذه الآية اقتصر عليها النحاة في التمثيل حتّى يخيّل للنّاظر أنّه مثال فذّ في بابه ، وليس كذلك بل منه قوله تعالى : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [الكهف : ٤]. وأمثلته كثيرة : منها قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) [الكهف : ٥] ، فضمير (بِهِ) عائد إلى القول المأخوذ من (قالُوا) ، ومنه قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج : ٣٠] ، فضمير (فَهُوَ) عائد للتعظيم المأخوذ من فعل (يُعَظِّمْ) ، وقول بشّار :
والله ربّ محمّد |
|
ما إن غدرت ولا نويته |
أي الغدر.
ومعنى (أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي للتقوى الكاملة الّتي لا يشذّ معها شيء من الخير ، وذلك أنّ العدل هو ملاك كبح النّفس عن الشهوة وذلك ملاك التّقوى.
[٩ ، ١٠] (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩)