ـ إلى ـ (عَذابٌ أَلِيمٌ) [المائدة : ٩٤] نزلت عام الحديبية فلعلّ ذلك الباعث للذين قالوا : إنّ سورة العقود نزلت عام الحديبية. وليس وجود تلك الآية في هذه السورة بمقتض أن يكون ابتداء نزول السورة سابقا على نزول الآية إذ قد تلحق الآية بسورة نزلت متأخّرة عنها.
وفي «الإتقان» : إنّها نزلت قبل سورة النساء ، ولكن صحّ أنّ آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] نزلت يوم عرفة في عام حجّة الوداع. ولذلك اختلفوا في أنّ هذه السورة نزلت متتابعة أو متفرّقة ، ولا ينبغي التردّد في أنّها نزلت منجّمة.
وقد روي عن عبد الله بن عمرو وعائشة أنّها آخر سورة نزلت ، وقد قيل : إنّها نزلت بعد النساء ، وما نزل بعدها إلّا سورة براءة ، بناء على أنّ براءة آخر سورة نزلت ، وهو قول البراء بن عازب في «صحيح البخاري». وفي «مسند أحمد» عن عبد الله بن عمرو ، وأسماء بنت يزيد : أنّها نزلت ورسول الله في سفر ، وهو على ناقته العضباء ، وأنّها نزلت عليه كلّها. قال الربيع بن أنس : نزلت سورة المائدة في مسير رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حجّة الوداع.
وفي «شعب الإيمان» ، عن أسماء بنت يزيد : أنّها نزلت بمنى. وعن محمد بن كعب: أنّها نزلت في حجّة الوداع بين مكة والمدينة. وعن أبي هريرة : نزلت مرجع رسول الله من حجّة الوداع في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة. وضعّف هذا الحديث. وقد قيل : إنّ قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [المائدة : ٢] أنزل يوم فتح مكة.
ومن الناس من روى عن عمر بن الخطاب : أنّ سورة المائدة نزلت بالمدينة في يوم اثنين. وهنالك روايات كثيرة أنّها نزلت عام حجّة الوداع ؛ فيكون ابتداء نزولها بالمدينة قبل الخروج إلى حجّة الوداع. وقد روي عن مجاهد : أنّه قال : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ـ إلى ـ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : ٣] نزل يوم فتح مكة. ومثله عن الضحّاك ، فيقتضي قولهما أن تكون هذه السورة نزلت في فتح مكة وما بعده.
وعن محمد بن كعب القرظيّ : أن أوّل ما نزل من هذه السورة قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ ـ إلى قوله ـ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة : ١٥ ، ١٦] ثم نزلت بقيّة السورة في عرفة في حجّة الوداع.
ويظهر عندي أنّ هذه السورة نزل بعضها بعد بعض سورة النساء ، وفي ذلك ما يدلّ على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد استقام له أمر العرب وأمر المنافقين ولم يبق في عناد الإسلام