قربانا مشتركا. ولم يسمّ الله تعالى المتقبّل منه والّذي لم يتقبّل منه إذ لا جدوى لذلك في موقع العبرة. وإنّما حمله على قتل أخيه حسده على مزيّة القبول. والحسد أوّل جريمة ظهرت في الأرض.
وقوله في الجواب (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) موعظة وتعريض وتنصّل ممّا يوجب قتله. يقول : القبول فعل الله لا فعل غيره ، وهو يتقبّل من المتّقي لا من غيره. يعرّض به أنّه ليس بتقي ، ولذلك لم يتقبّل الله منه. وآية ذلك أنّه يضمر قتل النفس. ولذا فلا ذنب ، لمن تقبّل الله قربانه ، يستوجب القتل. وقد أفاد قول ابن آدم حصر القبول في أعمال المتّقين. فإذا كان المراد من المتّقين معناه المعروف شرعا المحكي بلفظه الدالّ عليه مراد ابن آدم كان مفاد الحصر أنّ عمل غير المتّقي لا يقبل ؛ فيحتمل أنّ هذا كان شريعتهم ، ثمّ نسخ في الإسلام بقبول الحسنات من المؤمن وإن لم يكن متّقيا في سائر أحواله ؛ ويحتمل أن يراد بالمتّقين المخلصون في العمل ، فيكون عدم القبول أمارة على عدم الإخلاص ، وفيه إخراج لفظ التّقوى عن المتعارف ؛ ويحتمل أن يريد بالتقبّل تقبّلا خاصّا ، وهو التّقبل التّامّ الدالّ عليه احتراق القربان ، فيكون على حدّ قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، أي هدى كاملا لهم ، وقوله : (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٣٥] ، أي الآخرة الكاملة ؛ ويحتمل أن يريد تقبّل القرابين خاصّة ؛ ويحتمل أن يراد المتّقين بالقربان ، أي المريدين به تقوى الله ، وأنّ أخاه أراد بقربانه بأنّه المباهاة. ومعنى هذا الحصر أنّ الله لا يتقبّل من غير المتّقين وكان ذلك شرع زمانهم.
وقوله : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) إلخ موعظة لأخيه ليذكّره خطر هذا الجرم الّذي أقدم عليه. وفيه إشعار بأنّه يستطيع دفاعه ولكنّه منعه منه خوف الله تعالى. والظاهر أنّ هذا اجتهاد من هابيل في استعظام جرم قتل النّفس ، ولو كان القتل دفاعا. وقد علم الأخوان ما هو القتل بما يعرفانه من ذبح الحيوان والصّيد ، فكان القتل معروفا لهما ، ولهذا عزم عليه قابيل ، فرأى هابيل للنّفوس حرمة ولو كانت ظالمة ، ورأى في الاستسلام لطالب قتله إبقاء على حفظ النّفوس لإكمال مراد الله من تعمير الأرض. ويمكن أن يكونا تلقّيا من أبيهما الوصاية بحفظ النّفوس صغيرها وكبيرها ولو كان في وقت الدّفاع ، ولذلك قال : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ). فقوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) يدلّ على أنّ الدّفاع بما يفضي إلى القتل كان محرّما وأنّ هذا شريعة منسوخة لأنّ الشّرائع تبيح للمعتدى عليه أن يدافع عن نفسه ولو بقتل المعتدي ، ولكنّه لا يتجاوز الحدّ الّذي يحصل به الدّفاع. وأمّا