وأمّا ثانياً : فللتصريحات الكثيرة السابقة بأنّهم يخرجون من قبورهم ، وأنّهم ينفضون التراب عن رؤوسهم وغير ذلك.
وأمّا ثالثاً : فلأنّه خلاف الظاهر ، ولا موجب للعدول عنه.
وأمّا رابعاً : فلأنّ الإنسان عند تعلّق روحه بذلك البدن إمّا أن يكون ذلك الإنسان الأوّل أوّلاً ، فإن كان الأوّل لزم ما تقدّم من المفاسد التي ادّعوها ، وإن كان غيره لم يجز عقوبته بالضرب والقتل والإهانة والصلب والإحراق ونحو ذلك ؛ لأنّ هذا البدن لم يذنب ، وأيضاً يلزم على قولكم أن يكون مكلّفاً إذا رجع إلى الدنيا وتعود المفاسد ، وإذا كان الإنسان الثاني غير الأوّل لم تصدق أحاديث الرجعة ، وأمّا عذاب البرزخ فلا نسبة له إلى عذاب الرجعة ، وإنّما هو عذاب للروح.
وأمّا خامساً : فلأنّهم هربوا من لزوم عود التكليف لو حكموا برجوع الروح إلى البدن الأوّل ، وقد عرفت أنّه غير لازم بل يحتمل الأمرين.
وأمّا سادساً : فلما مرّ من الأحاديث الدالّة على أنّه يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السابقة (١) حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ، ومعلوم أنّ الرجعة التي وقعت في تلك الاُمم مراراً كثيرة جدّاً لم تكن بالبدن المثالي قطعاً.
فهذا ما خطر بالبال واقتضاه الحال من الكلام في إثبات الرجعة ، ودفع شبهاتها على ضعفها وعدم صراحتها في إبطال الرجعة ، وقوّة أحاديث الرجعة وأدلّتها كما رأيت ، فإنّها وصلت إلى حدّ التواتر ، بل تجاوزته (٢) بمراتب ، فأوجبت القطع واليقين ، بل كلّ حديث منها موجب لذلك ، لكثرة القرائن القطعية من موافقة القرآن والأدلّة والسنّة النبوية وتعاضدها ، وكثرتها ، وصراحتها ، واشتمالها على ضروب
__________________
١ ـ في « ط » : السالفة.
٢ ـ في المطبوع و « ط » : تجاوزت ، وما في المتن من « ح ، ش ، ك ».