ويقال بل نقضوا بعد رجوع أبي عبيدة إلى فلسطين فوجه إليها عمرو بن العاصي من إيليا ففتحها ورجع ومكث يسيرا حتى طلب أهل إيليا الأمان والصلح. ثم انتقل إليها قوم من أهل حمص وبعلبك مرابطة ، منهم مسلم بن عبد الله جدّ عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي. وكان مسلم قتل على باب من أبوابها فهو يعرف بباب مسلم إلى حدود سنة ٦٠٠ وذلك أن الروم خرجت من البحر فأناخت على أنطاكية وكان مسلم على السور فرماه روميّ بحجر فقتله. ثم إن الوليد بن عبد الملك بن مروان أقطع جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصيّر لهم الفلز بدينار ومدي قمح (١) فعمروها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية. والفلز مقدار من الأرض معلوم كفدّان وجريب.
ثم لم تزل بعد ذلك أنطاكية في أيدي المسلمين وثغرا من ثغورهم إلى أن ملكها الروم سنة (٣٥٣) بعد أن ملكوا الثغور : المصيصية وطرطوس وآذنه. واستمرت في أيديهم إلى أن استنقذها منهم سليمان بن قتلمش السلجوقي سنة ٤٧٧ وكتب سليمان إلى السلطان جلال الدولة ملكشاه بن الب ارسلان بخبر فتحها فسرّ به وأمر بضرب البشائر فقال الأبيوردي يخاطب ملكشاه :
لمعت كناصية الحصان الأشقر |
|
نار بمعتلج الكثيب الأحمر |
وفتحت أنطاكيّة الروم التي |
|
نشزت معاقلها على الإسكندر |
وطئت مناكبها جيادك فانثنت |
|
تلقي أجنّتها بنات الأصفر (٢) |
فاستقام أمرها وبقيت بأيدي المسلمين إلى أن ملكها الفرنج الصليبيون من واليها بغى سنان التركي كما ذكرناه في حوادث سنة ٤٩١ واستمرت في أيدي الصليبيين إلى أن استردها منهم الملك الظاهر بيبرس البندقداري سنة ٦٦٦ على ما حكيناه في حوادث هذه السنة. وبقيت في أيدي المسلمين إلى يومنا هذا تتداولها الدول الإسلامية دولة بعد دولة.
مقتطفات في أنطاكية : قال ابن الشحنة : وأنطاكية في شعر المتنبي مشددة الياء في قصيدته التي مدح بها محمد بن زريق :
__________________
(١) المدي : بضم الميم ، مكيال للشام ومصر ، وهو غير المدّ. ج أمداء «القاموس المحيط».
(٢) العجز محرّف في الأصل : «أجثّتها بنات الأصغر» والتصويب من ديوان الأبيوردي ومعجم البلدان. وبنات الأصفر : نساء الروم.