أنطاكية في بعض غزواته فاستطابها جدا وعزم على المقام بها فقال له شيخ من أهلها : ليست هذه من بلدانك يا أمير المؤمنين. قال : وكيف؟ قال : لأن الطيب الفاخر فيها يتغير حتى لا ينتفع به والسلاح يصدى (١) فيها ولو كان من قلعي الهند. فصدق ذلك وتركها ودفع عنها.
وقال المسعودي في كتابه مروج الذهب في الكلام على بطليموس (٢) : (وكان ملك الشام يومئذ أنطيخس وهو الذي بنى مدينة أنطاكية وكانت دار ملكه وجعل بناء سورها أحد عجائب العالم في البناء على السهل والجبل. ومسافة السور اثنا عشر ميلا وعدة الأبراج فيه ١٣٦ برجا وجعل عدد شرفاته ٢٤ ألف شرفة. وجعل كل برج من الأبراج بتولية بطريق أسكنه إياه برجاله وخيله ، وجعل كل برج منها طبقات والبطريق في أعلاه وجعل كل برج منها كالحصن عليها أبواب حديد وأظهر فيها مباها من أعين وغيرها لا سبيل إلى قطعها من خارجها وجر إليها مياها في قنيّ منخرقة إلى شوارعها ودورها.
قال : ورأيت فيها في هذه المياه ما يتحجر (٣) في مجاريها المعمولة من الخزف فيتراكم الماء المتحجر طبقات ويمنع الماء من الجري بانسداده فلا يعمل في كسره الحديد. وهو مما يولد في أجساد أهلها وأجوافهم وما يحدث في معدهم (٤) من الرياح السوداوية الباردة. اه. قلت : هذه المياه التي ذكرها المسعودي غير معروفة الآن.
وأما فتحها فإن أبا عبيدة بن الجراح سار إليها من حلب وقد تحصن بها خلق كثير من جند قنسرين فلما صار بمهرويه على فرسخين من أنطاكية لقيه جمع من العدو ففضهم وألجأهم إلى المدينة وحاصر أهلها من جميع نواحيها وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى بباب البحر. ثم إنهم صالحوه على الجزية والجلاء فجلا بعضهم وأقام بعض منهم فآمنهم ووضع على كل حالم دينارا وجريبا ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول.
__________________
(١) أي يصدأ ، بالهمز.
(٢) مروج الذهب ١ / ٣٣٥ ط. بيروت.
(٣) في المروج : «فيها من هذه المياه ما يستحجر».
(٤) في الأصل : «معوهم» والتصويب من المروج.