وتنقادوا لعدوّكم). في كلام كثير لا أحفظه. ثم قال أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتظهر عيلتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينتفع فيه إلا الحق والصدق. ثم بكى حتى ظننت أنه قاص نحبه. وارتجّ المسجد وما حوله بالبكاء.
وانصرفت إلى صاحبيّ فقلت لهما : خذا في شرح من الشعر (١) غير ما كنا نقول لعمر وآبائه فإن الرجل آخريّ وليس بدنيوي. إلى أن استأذن لنا مسلمة في يوم جمعة بعد ما أذن للعامة فلما دخلت سلمت ثم قلت يا أمير المؤمنين طال الثواء وقلّت الفائدة وتحدّث بجفائك إيانا وفود العرب. قال : يا كثيّر إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. أفي واحد من هؤلاء أنت. قلت : بلى ابن سبيل منقطع به وأنا صاحبك. قال : ألست صاحب أبي سعيد. قلت : بلى. قال : ما أرى ضيف أبي سعيد منقطعا به. قلت : يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الإنشاد. قال : نعم ، ولا تقل إلا حقا. فقلت :
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف |
|
بريا ولم تقبل إشارة مجرم |
وصدّقت بالفعل المقال مع الذي |
|
أتيت فأمسى راضيا كل مسلم |
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه |
|
من الأود الباقي ثقاف المقوّم |
وقد لبست لبس الهلوك ثيابها |
|
تراءى لك الدنيا بكف ومعصم (٢) |
وتومض أحيانا (٣) بعين مريضة |
|
وتبسم عن مثل الجمان المنظّم |
فأعرضت عنها مشمئزا كأنما |
|
سقتك مدوفا من سمام وعلقم |
وقد كنت في أجبالها في ممنّع |
|
ومن بحرها من مزبد الموج مفعم |
وما زلت توّاقا إلى كل غاية |
|
بلغت بها أعلى البناء المقوم |
فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن |
|
لطالب دنيا بعده من تقدّم |
ومالك إذ كنت الخليفة مانع |
|
سوى الله من مال رعيت ودرهم |
تركت الذي يفنى وإن كان رونقا |
|
وآثرت ما يبقى برأي مصمّم (٤) |
__________________
(١) في العبارة تحريف ، والصواب كما في الأغاني : «جدّدا لعمر من الشعر».
(٢) الهلوك : البغيّ الفاجرة. وفي الأصل : «الملوك ... ترائى ...» تحريف. والكلام على الدنيا.
(٣) الأصل : «أحياها» تحريف.
(٤) تركت : جواب قوله «فلما أتاك ...».