وأما دينهم ومروءتهم فيكفيك بالاستدلال عليهما أن حلب مهما كثرت فيها أسباب الفساد أخيرا ، فهي بذلك لم تزل دون بقية البلاد التي تضاهيها بالسعة والثروة. وأهل حلب لأولياء الأمور من أطوع خلق الله تعالى وألينهم عريكة وأقلهم معارضة. حتى قال دارفيو في تذكرته السابق ذكرها : لا يبعد عندي أن تكون هذه المدينة سميت بحلب أخذا من ملاءمة أخلاق أهلها. فكأن شمائلهم الحلب الذي يساغ في الخلق بأدنى كلفة. قلت : ومن حسن شمائل أهل حلب إقبالهم على أعمالهم وقناعتهم بالارتزاق من تجارتهم وقلة تهافتهم على وظائف الحكومة. والغالب عليهم حسن الخلق وسلامة الصدر من المكر والخديعة وصفاء الألوان وجودة الأفكار ودقة الأنظار ، واستعمال الروية وترك العجلة والتهور فيما يبهم أمره وتجهل عاقبته عليهم.
وأما رخص أسعار بضائعها من المأكولات وغيرها قبل الحرب العامة فيغنينا عن إطالة الكلام فيه إيراد نموذج يعرف منه أيضا سعر ما لم نذكره من بقية بضائعها فنقول :
إذا كانت السنة متوسطة أي كانت حالتها دون الخصب وفوق الجدب بيع فيها الشنبل من أعلى أنواع القمح بخمسة وسبعين قرشا. ومن الشعير كذلك بأربعين. ومن العدس بخمسة وستين. وبيع القنطار من الفحم الجيد بمائة وخمسة وعشرين قرشا ، ومن الحطب السنديان بسبعين ، وبيع الرطل من لحم الضأن المسمّن الجيد الخالص من العظم بخمسة عشر قرشا ، ومن زيت الزيتون العذب الصافي والعسل المصفى الأبيض والصابون الحلبي الجيد باثني عشر قرشا. ومن السمن الحديدي الذي لا نظير له في غير حلب بخمسة وثلاثين قرشا ، ومن الدبس العينتابي الجيد بثمانية قروش ، ومن أعلى أنواع العنب بثلاثة قروش ، ومن البطيخ والخيار والمشمش والفاولة والتوت والجانرك والرمان والتفاح والقرع السلاحي والبصل والعجور والبرقوق والإجّاص والخوخ والدرّاقن والسفرجل بقرش ونصف القرش.
وأما منسوجاتها فإن الرجل الفقير كان قبل الحرب العامة يمكنه أن يعمل منها في السنة أربعة أثواب من نسيج حلب ، بطانتها من البزّ الفرنجي يصرف عليها ثمانين قرشا تكفيه عامة عامه. أما أجور البيوت والمنازل في حلب فقد كانت في حلب رخيصة جدا لأن الدار المشتملة على أربعة مساكن مع بقية المرافق والمنافع تؤجر عن سنة كاملة في متوسط