أحدهما : متصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة ، فذكره بالألف والواو ، لتدل الألف على الاستفهام ، والواو على عطف جملة على جملة (١) قبلها. وكذا الفاء ، لكنها أشد اتصالا بما قبلها.
والوجه الثانى : متصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال ، فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ، لتجرى مجرى الاستئناف.
ولا ينقص هذا الأصل قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) (٧٩) فى النحل لاتصالها بقوله : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) (٧٨) وسيلة الاعتبار بالاستدلال ، فبنى عليه (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ).
٩٤ ـ قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) (١١) فى هذه السورة فحسب ، وفى غيرها : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا) «٣ : ١٣٧ و ١٦ : ٣٦ و ٢٧ : ٦٩ و ٣٠ : ٤٢» ، لأن ثم للتراخى ، والفاء للتعقيب ، وفى هذه السورة تقدم ذكر القرون فى قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) (٦) ، ثم قال : (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦). فأمروا باستقراء الديار ، وتأمل الآثار ، وفيها كثرة ، فيقع ذلك سيرا بعد سير ، وزمانا بعد زمان (٢) ، فخصت ب (ثم) على التراخى بين (٣) الفعلين (٤) ، ليعلم أن السير مأمور به على حدة ، والنظر مأمور به على حدة ، ولم يتقدم فى سائر السور مثله ، فخصت بالفاء الدالة على التعقيب (٥).
٩٥ ـ قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) «١٢ ، ٢٠»
__________________
(١) الجملة التى عطف عليها مقدرة. والتقدير : أكذبوا ولم يروا.
(٢) فى أ ، ب : سير بعد سير ، وزمان بعد زمان.
(٣) فى ب : فخصت بهم الدار. خطأ.
(٤) فى ب : من الفعلين.
(٥) يرى أبو السعود : أن (ثم) لإبانة ما بين السير والنظر من التفاوت فى مراتب الوجود ، فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة إلى النظر ، والعطف بالفاء دليل على هذا المعنى.
انظر : (إرشاد العقل السليم ٢ / ١٧٧).