وإلّا لأمكن صدور الكلام المعجز عن البشر».
فالدقة فى مراعاة تلك الكيفيات والاعتبارات بحيث لا يشذ منها اعتبار واحد ، ولا كيفية واحدة هو مقطع الحق فى مسألة الإعجاز دون مراء.
وتلك الاعتبارات والكيفيات قد تكون ذات جوانب مختلفة : أسلوبية وهى موسيقى اللغة ووقعها المتهادى على مناط الذوق من كل نفس ، فيكون منه حبور وارتياح لا نجد له نظيرا فى أسلوب آخر لا تراعى فيه تلك الكيفيات وقد تكون نفسيّة تتصل بحركات النفس وانفعالاتها ، وقد تكون من باب التشريع والتقنين وغير ذلك من الاعتبارات ولكن المهم هو استقصاء القرآن لإثبات أنه أسلوب لم يشذ مرة واحدة عن مراعاة أدق الكيفيات والاعتبارات ، ومن هنا يخرج عن نطاق الكلام البشرى ، وذلك الكلام الذى لا يوجد منه أنموذج واحد فيه هنات من إغفال اعتبار ، أو إهمال كيفية.
وهذا المقياس من مقاييس الإعجاز هو المقياس الذى لا تختلف فيه الطوائف. فمقياس علم البيان مما تختلف فيه الأذواق ، ومقياس التشريع مما تختلف فيه الأجناس بالطواعية والعناد ، اللهم إلّا هذا المقياس الذى أشرنا إليه والذى يستبطن مقياس الموسيقى اللغوية ، فهو ما تتفق فيه الآراء ولا تقوى أعتى الطبائع عنادا على إنكاره وعدم الاستجابة لجمال البيان فى أطوائه.
لقد أنكر كفار مكة مميزات القرآن ، ولكن أثره فى الذوق هو الذى جعل الوليد يعلن على الملأ : «إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمونق ، وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول البشر».