وكان سهل يقول لأصحابه : قولوا في دعائكم : إلهي إن طبختني فأنا قدر ، وإن شويتني فأنا محنوذ ، ولا بد أن تعرف ، فمنّ عليّ بمعرفتك.
وسئل سهل عن الدار ، دار إسلام أم دار كفر؟ فقال : الدار دار بلوى واختبار. وقال عبد الرحمن المروزي لسهل : يا أبا محمد ، ما تقول في رجل من منذ خمسة وعشرين يوما تطالبه نفسه أن تشبع ورق السدر من منذ ثمانية عشر يوما؟ فقال له سهل : ما تقول في رجل تطالبه نفسه أن يشم ورق السدر. قال : فوثب عبد الرحمن وانتفخت أوداجه (١).
قوله تعالى : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [٦٩] قال : النار مسلطة على الإحراق فمن لم تسلط عليه لم تحرقه. قال عمر بن واصل العنبري : كنت عند سهل ذات ليلة فأخرجت فتيلة السراج ، فنالت من إصبعي شيئا يسيرا أو لمت منه ، فنظر إلي سهل ووضع إصبعه نحو ساعتين ، لا يجد لذلك ألما ولا أثرا بإصبعه أثر ، وهو يقول : أعوذ بالله من النار (٢).
قوله : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [١٠٥] قال : أضافهم إلى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح ، معناه : لا يصلح إلا ما كان خالصا لي ، لا يكون لغيري فيه أثر ، وهم الذين أصلحوا سريرتهم مع الله ، وانقطعوا بالكلية عن جميع ما دونه.
قوله : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) [١٠٦] قال : لم يجعله بلاغا لجميع عباده ، بل خصه لقوم عابدين ، وهم الذين عبدوا الله تعالى ، وبذلوا له مهجهم ، لا من أجل عوض ، ولا من أجل الجنة ، ولا من أجل النار ، بل حبا له وافتخارا بما أهّلهم لعبادتهم إياه ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) انظر مثل هذا الخبر في قوت القلوب ٢ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الفصل ٣٩.
(٢) هذا القول لمالك بن دينار في الحلية ٢ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨.