قوله تعالى : (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) [٢٨] قال : أصح الخلة ما لا يورث الندامة ، وليس ذلك إلا الأنس بالله تعالى ، والعزلة عن الخلق. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلازم الخلوة لما فتح الله في قلبه من العلم ، فكان يحب التفكر فيه. وما من رجل حسنت صلاته إلا واستأنس به كل شيء. والرجل يكون نائما ، فيحركه من نومه أوقات الصلاة فينتبه ، وهذا من إخوانه من الجن قد استأنس به ، وربما يسافرون معه إذا سافر ، ويؤثرونه على أنفسهم ، وربما استأنس به الملائكة. وقد سأل رجل سهلا فقال : إني أريد أن أصحبك. فقال : إذا مات أحدنا فمن يصحب الباقي فليصحبه الآن. وكان الربيع بن خيثم جالسا على باب داره يوما ، فجاء حجر فصكّ جبهته فشجه ، وقال : لقد وعظت يا ابن خيثم ، فدخل منزله وأغلق الباب على نفسه ، فما رؤي جالسا مجلسه ذلك حتى مات (١).
قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) [٥٨] سئل ابن سالم عن التوكل والكسب بأيهما تعبد الخلق؟ قال : التوكل حال الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والكسب سنته. وإنما استنّ الكسب لهم لضعفهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله ، فلم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالكسب الذي هو سنته ، ولو لا ذلك لهلكوا (٢). قال سهل : من طعن في الكسب فقد طعن في السنة ، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان (٣).
قوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [٦٣] أي صوابا من القول وسدادا. وقال الحسن البصري رحمهالله : هذا دأبهم في النهار ، فإذا دخل الليل كانوا كما وصف الله في آخر الآية : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) [٦٤].
قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ) [٧٠] قال : لا تصح التوبة لأحدكم حتى يدع الكثير من المباح ، مخافة أن يخرجه إلى غيره ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : اجعلوا بينكم وبين الحرام سترا من الحلال ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعنا بعد الطهر ثلاثا حتى تذهب فورة الدم.
قوله : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [٧٢] قال : الزور مجالس المبتدعين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) صفوة الصفوة ٣ / ٦٧ ؛ وشعب الإيمان ٦ / ٢٦٤.
(٢) الحلية ١٠ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ؛ وطبقات الصوفية ١ / ٣١٢ ؛ وتلبيس إبليس ١ / ٣٤٤.
(٣) الحلية ١٠ / ١٩٥ ؛ وقوت القلوب ٢ / ٩ ؛ وتلبيس إبليس ١ / ٣٤٤.