قوله : (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [٧٦] قال : من فرح بغير مفروح استجلب حزنا لا انقطاع له ، وليس للمؤمن راحة دون لقاء الحق جل وعز. وحكي عن الأعمش (١) قال : كنا نشهد جنازة فلا ندري من نعزي من حزن القوم (٢).
قوله تعالى : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [٧٨] قال : ما نظر إلى نفسه أحد فأفلح ، ولا ادعى لنفسه حالا فتم له.
والسعيد من الخلق من صرف بصره عن أحواله ، وأفعاله سبيل الفضل والإفضال ، ورؤية منة الله في جميع الأفعال ؛ والشقي من زين نفسه وأحواله وأفعاله حتى افتخر بها ، وادعى ذلك لنفسه ، فشؤمه يهلكه يوما ما وإن لم يهلكه في الوقت ، ألا ترى الله كيف حكى عن قارون بقوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [٧٨] يعني الفضل ، وهو أنه كان أقرأهم للتوراة (٣) ، فادعى لنفسه فضلا ، فخسف الله به الأرض ظاهرا ، وكم قد خسف بالأشرار وصاحبها لا يشعر بذلك ، وخسف الأشرار هو منع العصمة ، والرد إلى الحول والقوة بإطلاق اللسان في الدعاوي العريضة ، والعمى عن رؤية الفضل ، والقعود عن القيام بالشكر على ما أعطي ، فحينئذ يكون وقت الزوال.
__________________
(١) الأعمش : سليمان بن مهران الأسدي (٦١ ـ ١٤٨ ه) : تابعي. نشأ في الكوفة ، وتوفي فيها. كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض. (تاريخ بغداد ٩ / ٣).
(٢) الحلية ٥ / ٥٠ ؛ وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ٣٦٥.
(٣) تفسير القرطبي ١٣ / ٣١٥ ، وقيل أيضا إن معنى الآية : (إنّ الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ولمحبته لي) ، انظر تفسير القرطبي ؛ وتفسير ابن كثير ٣ / ٤١٠.