قوله : رجاء الصدق خوفه ، وخوفه انتقاله؟ فقال : لأن الصدق رجاؤهم وطلبهم ، ويخافون في طلبهم أن لا يكونوا صادقين ، فلا يقبل الله منهم ، كما قال : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون : ٦٠] أي وجلة في الطاعة خوف الرد عليهم.
قوله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [٣٥] قال : الإيمان أفضل من الإسلام ، والتقوى في الإيمان أفضل من الإيمان ، واليقين في التقوى أفضل من التقوى ، والصدق في اليقين أفضل من اليقين ، وإنما تمسكتم بالأنا فإياكم أن تنفلت من أيديكم. وقال : الإيمان بالله في القلب ثابت ، واليقين بالصدق راسخ ، فصدق العين ترك النظر إلى المحظورات ، وصدق اللسان في ترك ما لا يعني ، وصدق اليد ترك البطش للحرام ، وصدق الرجلين ترك المشي إلى الفواحش ، وحقيقة الصدق من دوام النظر فيما مضى ، وترك النظر فيما بقي ، وإن الله تعالى أعطى الصديقين من العلم ما لو نطقوا به لنفذ البحر من نطقهم ، وهم مختفون لا يظهرون للناس إلا فيما لا بد لهم منه ، حتى يخرج العبد الصالح ، فعند ذلك يظهرون ، ويعلمون العلماء من علومهم.
قوله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) [٣٥] قال : الذاكر على الحقيقة من يعلم أن الله مشاهده فيراه بقلبه قريبا منه ، فيستحي منه ، ثم يؤثره على نفسه وعلى كل شيء من جميع أحواله. وسئل سهل مرة أخرى : ما الذكر؟ فقال : الطاعة. قيل : ما الطاعة؟ قال : الإخلاص قيل : ما الإخلاص؟ قال : المشاهدة. قيل : ما المشاهدة؟ قال : العبودية. قيل : ما العبودية؟ قال : الرضا. قيل : ما الرضا؟ قال : الافتقار. قيل : ما الافتقار؟ قال : التضرع والالتجاء سلم سلم إلى الممات. وقال ابن سالم : الذكر ثلاث : ذكر باللسان فذاك الحسنة بعشر ، وذكر بالقلب فذاك الحسنة بسبعمائة ، وذكر لا يوزن ثوابه وهو الامتلاء من المحبة.
قوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [٣٨] قال : أي معلوما قبل وقوعه عندكم ، وهل يقدر أحد أن يتقي المقدور؟ وقد قال عمر رضي الله عنه لما طعن : («وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [٣٨] ، ولقد أخبرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنهم سيفعلون هذا». وحكي عن الضحاك أنه ينزل ملكان من السماء ومع أحدهما صحيفة فيها كتاب ، ومع الآخر صحيفة ليس فيها كتاب ، فيكتب عمل العبد وأثره ، فإذا أراد أن يصعد قال لصاحب الصحيفة المكتوبة : عارضني فيعارضه ، فلا يخطىء حرفا.
قوله : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [٧١] قال : من وفقه الله لصالح الأعمال فذاك دليل على أنه مغفور له ، لأن الله تعالى قال : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [٧١].
والله سبحانه وتعالى أعلم.