قوله تعالى : (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) [١٧] قال : فتحنا أسماعهم لفهم خطابنا ، وجعلنا أفئدتهم وعاء لكلامنا ، وأعطيناهم فراسة صادقة يحكمون بها في عبادنا حكم يقين وأخبار صدق ، فهذه هي البينات من الأمر في طريق الباطن.
قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها) [١٨] قال : يعني منهاج سنن من كان من قبلكم من الأنبياء ، فإنهم على منهاج الهدى والشريعة الشارع الممتد الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشد.
قوله تعالى : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [١٩] من استغنى بغير الله فبغناه افتقر ومن اعتز بغيره فبعزه ذل ، ألا ترى أن الله يقول : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [١٩].
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) [٢١] الآية ، قال : ليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقيم في مقام المخالفة ، فإن بساط الموافقة يجر بصاحبه إلى مقاعد الصدق ، ومقام المخالفة يهوي بصاحبه في لظى.
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [٢٣] قال : يعني أفرأيت من كان مغمورا في لذة نفسه من الدنيا ، غير ورع ولا تقي ، فاتبع مراده ولم يسلك مسالك الاقتداء ، وآثر شهوات الدنيا على نعيم العقبى ، أنى تكون له في الآخرة من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية (١) (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) [٢٣] قال : أي على علم الله السابق فيه بترك عصمته ومعونته.
قوله : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ) [٢٦] قال : يحييكم في بطون أمهاتكم ، ثم يميتكم بجهالة ، ويجمعكم إلى يوم القيامة أولكم وآخركم لا ريب فيه.
قوله تعالى : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) [٢٨] قال : على ركبها تجادل عن نفسها عند المرافقة الصادق يجتهد في تحقيق صدقه ، والجاحد يجتهد في الدفع عن نفسه ، وكلّ محكوم عليه في الذي أملاه ، مدده ريقه ، وقلمه لسانه ، وقرطاسه جوارحه.
قوله : (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [٣٧] قال : العلو والقدرة والعظمة والحول والقوة له في جميع الملك ، فمن اعتصم به أيّده بحوله وقوته ، ومن اعتمد على نفسه وكلّه الله إليها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) في تفسير القرطبي ١٦ / ١٦٨ بعد تفسير الآية المذكورة ، أن سهل التستري قال : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك).