وستون منها باطنة ، لو كشف عنها لأبصرتم ، وثلاثمائة وستون منها غامضة لا يعرفها إلا نبي أو صديق ، لو بدت منها عبرة لأهل العقول لوصلوا إلى الإخلاص ، فإن الله تعالى حجب قلوب الغافلين عن ذكره باتباعهم الشهوات عن هذه العبر ، فكشف قلوب العارفين به عنها فأوصلهم إليه.
قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) [٢٢] أي تفرغوا لعبادتي ولا يشغلكم طلب الرزق عنا ، فإنا نرزقكم ، ثم قال : إن الله رضي عنكم بعبادة يوم فارضوا عنه برزق يوم بيوم. قال : وفيها وجه آخر : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) [٢٢] أي من الذكر وثوابه.
قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [٢٤] قال : سماهم مكرمين لأنه خدمهم بنفسه ، وكان منذ سبعة أيام لم يطعم شيئا ، ينتظر ضيفا ، فلما أرسل الله تعالى ملائكته إليه استبشر بهم وخدمهم بنفسه ولم يطعم معهم ، وهي علامة الخلة المؤكدة أن يطعم ولا يطعم ، ويشفي الغير من ألم ويسقم.
قوله تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٥٠] قال : يعني ففروا مما سوى الله إلى الله ، وفروا من المعصية إلى الطاعة ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن عذابه إلى رحمته ، ومن سخطه إلى رضوانه. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بك منك» (١) ، فهذا أيضا باب منه عظيم.
قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) [٥٤] قال : أعرض عنهم فقد جهدت في الإبلاغ جهدك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٩٣ (رقم ٤٥٠٢) ؛ وسنن الترمذي ٥ / ٥٢٤ (رقم ٣٤٩٣) ، ٥ / ٥٦١ (رقم ٣٥٦٥).