قوله : «اخسؤوا» تباعدوا عني ، يقال للكلب اخسأ على كمال البعد والطرد ، وبهذا عاقبهم في آخر عقوباته إياهم ، كقوله : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨]. قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) [٢٣٨] أي داوموا على إقامتها. وأما قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [النور : ٥٦] فعلى وجهين أحدهما الإقرار بها من غير تصديق ، كما قال في براءة : (فَإِنْ تابُوا) [التوبة : ٥] أي من الشرك ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) [التوبة : ٥] يعني وأقروا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥] ، وكقوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة : ١١] ومواليكم ، ونظيرها في السجدة (١). والوجه الثاني : الإقامة ، كما قال في المجادلة : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [المجادلة : ١٣] ، ونظيرها في المزمل (٢). وقال في المائدة (٣) : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) [المائدة : ٥٥] أي يتمونها. وسئل عن قوله : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [٢٣٨] ما معنى ذكرها مفردة؟ قال : إنما أفردها لاختصاص من الصلوات وإن كانت داخلة في جملتها ، كما انفرد جبريل وغيره بالذكر لاختصاصهم من جملة الملائكة. قال : وفيها وجه آخر ، وهو أن أوقات سائر الصلوات مشهورة عند العالم والجاهل ، فعلامتها واضحة ، ووقت العصر أخفى ، فحثّ على مراعاتها في وقتها بما خصها من الذكر. قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [٢٣٨] أي قاموا لله في الصلاة مطيعين. فكم من مصلّ غير مطيع كالمنافق ونحوه. وسئل النبي صلىاللهعليهوسلم أي الصلاة أفضل؟ فقال : «طول القنوت أي طول القيام» (٤) ، وقال زيد بن أرقم (٥) رضي الله عنه : القنوت السكوت ، لأنا كنا نتكلم في الصلاة ، فأنزل الله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [٢٣٨] فأمسكنا عن الكلام (٦). وكان محمد بن سوار يقول : القنوت الوتر ، سمي قنوتا لقيام الرجل فيه بالدعاء من غير قراءته القرآن ، بل هو التعظيم بالدعاء.
__________________
(١) ليس في سورة السجدة نظير ما ورد في سورة التوبة.
(٢) المزمل ، الآية ٢٠ ، وأيضا في سورة الحج ، الآية ٧٨.
(٣) في الأصل : (وقال في البقرة) والصواب ما أثبته ؛ وقد تكررت الآية في الأنفال : ٣ ؛ والنمل : ٣ ؛ ولقمان : ٤ ، وأما ما ورد في سورة البقرة : ٣ فهو قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ).
(٤) صحيح مسلم : كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم ٧٥٦ ؛ وابن ماجة : كتاب إقامة الصلاة ١ / ٤٥٦ ؛ والترمذي : كتاب الصلاة ١ / ٨٧ ؛ وأحمد ٣ / ٣٠٢ ، ٣٩١ ، ٤١٢ ؛ والنسائي : كتاب الزكاة ١ / ٣٤٩.
(٥) زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاري (... ـ ٦٨ ه) : صحابي. غزا مع النبي صلىاللهعليهوسلم سبع عشرة غزوة ، وشهد صفين مع علي. ومات بالكوفة. (الأعلام ٣ / ٥٦).
(٦) صحيح البخاري : كتاب العمل بالصلاة ١١٤٢ ؛ وصحيح مسلم : المساجد ٥٣٩ ، وانظر تأويل مشكل القرآن ٤٥٢ ؛ وعمدة الحفاظ ٣ / ٣٤٠ (قنت).