قوله : «فمن كان الإله له عيانا» علامات المشتاقين ، فليس لهم نوم ولا قرار لا بالليل ولا بالنهار ، والمخصوص بهذه الصفة صهيب (١) وبلال (٢) ، لأن بلالا كان من المشتاقين ، وكذلك صهيب ، لم يكن لهما نوم ولا قرار. وقد حكي أن امرأة كانت اشترت صهيبا فرأته كذلك فقالت : لا أرضى حتى تنام بالليل لأنك تضعف فلا يتهيأ لك الاشتغال بأعمالي ، فبكى صهيب وقال : إن صهيبا إذا ذكر النار طار نومه ، وإذا ذكر الجنة جاء شوقه ، وإذا ذكر الله تعالى طال شوقه (٣).
وقوله : «تقاضاه الإله لهم ثلاثا» لأن «هل» من حروف الاستفهام ، وأن الله عزوجل يرفع الحجاب كل ليلة فيقول : «هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيب دعوته؟». فإذا كانت ليلة القدر رفع الله الشرط فقال : «غفرت لكم وإن لم تستغفروني ، وأعطيتكم وإن لم تسألوني ، وأجبت لكم قبل أن تدعوني» (٤) ، وهذا غاية الكرم.
قوله : «متى نجس الولوغ ببحر ود» أشار إلى ولوغ الكلب ، إذا ولغ في الإناء يغسل سبع مرات أو ثلاثا (٥) ، باختلاف الألفاظ الواردة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكيف ولو أن ألف ألف كلب ولغوا في بحر؟ فلا اختلاف بين الأمة أن البحر لا ينجس بوساوس الشيطان ، وولوغه في قلوب العارفين والمحبين في بحر الوداد متى يوجب التنجس ، لأنه كلما ولغ فيه جاءه موج فطهره.
وقوله : «فدع شقي النباح بباب داري» يعني دع يشقى إبليس يصيح على باب الدنيا بألوان الوساوس ، فإنه لا يضرني ، كقوله : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) [الأعراف : ٢٠١] بالوحدانية مع قوله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) [الإسراء : ٤٦].
__________________
(١) صهيب بن سنان بن مالك ، من بني النمر بن قاسط (٣٢ ق ه ـ ٣٨ ه) : صحابي ، من أرمى العرب سهما وهو أحد السابقين إلى الإسلام. شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها. (الإصابة ت ٤٠٩٩ ؛ والحلية ١ / ١٥١)
(٢) بلال بن رباح الحبشي (... ـ ٢٠ ه) : مؤذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخازنه على بيت ماله ، وأحد السابقين إلى الإسلام ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله. (الحلية ١ / ١٤٧).
(٣) التخويف من النار ص ٢٨ ؛ وروي مثل هذا الخبر في عامر بن عبد قيس. انظر صفوة الصفوة ٣ / ٢٠٧ ؛ وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ص ٢٨ ، حيث قال عامر : (إن ذكر جهنم لا يدعني أنام).
(٤) صحيح مسلم : صلاة المسافرين وقصرها ؛ وصحيح البخاري : كتاب التهجد ١٠٩٤ ، وكتاب الدعوات ٥٩٦٢ ، وكتاب التوحيد ٧٠٥٦ ؛ ومسند أحمد ٢ / ٤٣٣ ، ٤ / ٨١ ، ٢١٧ ، ٢١٨.
(٥) يقصد الحديث : «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات» ، انظر : صحيح ابن حبان ٤ / ١٠٩ ـ ١١٤ (رقم ١٢٩٤ ـ ١٢٩٨) ؛ وشرح النووي على صحيح مسلم ٣ / ١٨٥ ـ ١٨٦.