قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [٦٢] قال سهل : هم الذين وصفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا رؤوا ذكر الله» (١) وهم المجاهدون في الله السابقون إليه الذين توالت أفعالهم على الموافقة (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [الأنفال : ٤] وقال : اجتمع الخير كله في هذه الأربعة وبها صاروا أبدالا : إخماص البطون ، والاعتزال عن الخلق ، وسهر الليل ، والصمت. قيل له : لم سمي الأبدال أبدالا؟ فقال : لأنهم يبدلون الأحوال ، أخرجوا أبدانهم عن الحيل في سرهم ، ثم لا يزالون ينقلبون من حال إلى حال ، ومن علم إلى علم ، فهم أبدا في المزيد من العلم فيما بينهم وبين ربهم.
قيل : الأوتاد أفضل أم الأبدال؟ قال : الأوتاد. قيل : وكيف ذلك؟ قال : لأن الأوتاد قد بلغوا وثبتت أركانهم ، والأبدال ينقلبون من حال إلى حال. وقال سهل : لقيت ألفا وخمسمائة صدّيق ، فمنهم أربعون بديلا وسبعة أوتاد ، وطريقهم ومذهبهم ما أنا عليه. وكان يقول : أنا حجة الله عليكم خاصة ، وعلى الناس عامة. وكان من طريقه وسيرته أنه كان كثير الشكر والذكر ، دائم الصمت والفكر ، قليل الخلاف ، سخي النفس ، قد ساد الناس بحسن الخلق والرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم ، متمسكا بالأصل ، عاملا بالفرع ، قد حشى الله قلبه نورا ، وأنطق لسانه بالحكمة ، وكان من خير الأبدال ، وإن قلنا من الأوتاد فقد كان القطب الذي يدور عليه الرحى ، ولو لا أن الصحابة لا يقاس بهم أحد لصحبتهم ورؤيتهم لكان كأحدهم ، عاش حميدا ومات غريبا بالبصرة رحمة الله عليه. وقد كان رجل يصحب سهلا يقال له عبد الرحمن بن أحمد ، فقال يوما لسهل : يا أبا محمد ، إني ربما أتوضأ للصلاة فيسيل الماء من بين يدي فيصير قضبان ذهب وفضة. فقال سهل : يا حبيبي ، أما علمت أن الصبي إذا بكى يناول خشخاشة حتى يشتغل بها ، فانظر أي شيء هو هذا يعمل (٢). وقال : كان في منزله بيت يقال له بيت السباع ، وكانت السباع تجيء سهلا ، فكان يدخلها ذلك البيت ، ويضيفها فيطعمها اللحم ، ثم يخليها.
قوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ) [١٠٩] قال : أجرى الله في الخلق أحكامه ، وأيدهم على اتباعها بفضله وقدرته ، ودلّهم على رشدهم بقوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ) [١٠٩] فالصبر على الاتباع ترك تدبير النفس ، ففيه النجاة عاجلا من رعونات النفس ، وآجلا من حياء المخالفة.
__________________
(١) مسند أحمد ٦ / ٤٥٩ ؛ ونوادر الأصول ٤ / ٨٠ ، ٨٦.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٣.