جدا ، حتى أنه بلغت الغرارة ألفا وستمائة ، وصار قنطار الدقيق بسبعمائة والخبز كل أوقتين إلا ربعا بدرهم ، ورطل اللحم بسبعة ، وأبيعت الأملاك بالدقيق ، وأكلت القطاط والكلاب والميتات والجيف ، وتماوت الناس في الطرقات ، وعجزوا عن الغسل والتكفين والاقبار ، فكانوا يلقون موتاهم في الآبار ، حتى أنتنت المدينة وضج الناس ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وفي هذه الأيام توفي الشيخ تقي الدين بن الصلاح ، شيخ دار الحديث وغيرها من المدارس ، فما أخرج من باب الفرج ودفن بالصوفية إلا بالجهد الجهيد ، وما صحبه إلى التربة إلا نحو العشرة أنفس رحمهالله تعالى. ولما بلغ الصالح أيوب أن الخوارزمية قد مالئوا عليه وصالحوا عمه الصالح اسماعيل كاتب الملك المنصور ابراهيم بن أسد الدين شيركوه (١) صاحب حمص فاستماله إليه ، وقوى جانب نائب دمشق معين الدين ابن الشيخ ، ولكنه توفي في شهر رمضان منها ودفن إلى جانب أخيه عماد الدين بقاسيون ، ولما رجع المنصور صاحب حمص عن موالاة اسماعيل الصالح شرع في جمع الجيوش من الحلبيين والتركمان والأعراب لاستنقاذ دمشق من الخوارزمية ومن حصارهم اياها ، فبلغ الخوارزمية ذلك فخافوا من ذلك وعائلته ، وقالوا : دمشق ما تفوت والمصلحة قتاله عند بلده ، فساروا إليه إلى عند بحيرة حمص ، وأرسل الناصر داود جيشه إلى الصالح إسماعيل مع الخوارزمية ، فساق جيش دمشق فانضافوا إلى صاحب حمص ، والتقوا مع الخوارزمية عند بخيرة حمص ، وكان يوما مشهودا ، قتل فيه عامة الخوارزمية ، وقتل ملكهم بركات خان وجيء برأسه على رمح ، وتفرق شملهم وتمزقوا شذر مذر ، وساق المنصور صاحب حمص على بعلبك فتسلمها للصالح أيوب ، وجاء إلى دمشق فنزل ببستان سامه خدمة للصالح أيوب ، ثم حدثته نفسه بأخذها فاتفق مرضه ، فمات في السنة الآتية ، وهي سنة أربع وأربعين ، ونقل إلى حمص ، وتسلم نواب الصالح أيوب بعلبك وبصرى ، ولم يبق للصالح اسماعيل بلد يأوي إليه ولا أهل ولا مال ، بل أخذ جميع ماله ،
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٢٩.