أموالا فامتنعوا ، فقال له المغيرة : لا تغتم يا أمير المؤمنين قد دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي بالسيف ، ودخل أبو عبيدة بن الجراح من باب الجابية بالأمان ، فنماسحهم إلى موضع بلغ السيف ، فإن يكن لنا فيه حق أخذناه ، وإن لم يكن لنا فيه حق داريناهم حتى نأخذ باقي الكنيسة فندخله في المسجد ، فقال له : فرجت عني فتولّ هذا الأمر ، قال فتولاه ، فبلغت المساحة إلى سوق الريحان حتى حاذى من القنطرة الكبيرة أربعة أذرع بالذراع الهاشمي ، فإذا باقي الكنيسة قد دخل في المسجد ، فبعث إليهم وقال : هذا حق قد جعله الله عزوجل لنا ، فقالوا : يا أمير المؤمنين قد أقطعتنا كنائس وبذلت لنا من المال كذا وكذا ، فإن رأيت يا أمير المؤمنين ان تتفضل به علينا فعلت ، فامتنع عليهم حتى سألوه وطلبوا إليه ، فأعطاهم كنيسة حميد بن درة ، وكنيسة اخرى إلى جانب سوق الجبن ، وكنيسة المصلبة وكنيسة مريم ، قال : ثم أن الوليد بعث إلى المسلمين حتى اجتمعوا لهدم الكنيسة واجتمع النصارى ، فقال للوليد بعض القسيسين والفأس على كتفه وعليه قباء سفرجلي ، وقد شدّ بزور قبائه : يا أمير المؤمنين إني أخاف عليك من الشاهد ، قال : ويلك ما أضع فأسي إلا في رأس الشاهد ، ثم إنه صعد ، فأول من وضع فأسه في هدم الكنيسة الوليد وسارع الناس في الهدم ، وكبر الناس ثلاث تكبيرات وزادها في المسجد.
ولما بلغ ملك الروم هدمها ، كتب إليه : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها ، فإن كان حقا فقد خالفت أباك ، وإن كان باطلا فقد أخطأ أبوك ، فلم يدر ما جوابه ، فكتب إلى الكوفة وإلى البصرة وسائر البلدان أن يجيبوه ، فلم يجبه احد ، فوثب الفرزدق فقال : أصلح الله أمير المؤمنين قد رأيت رأيا فإن كان حقا فخذه وإن كان خطأ فمني ، وهو قول الله عزوجل (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) الآية. قال : فكتب الوليد إلى ملك الروم فلم يجبه ، وأنشأ الفرزدق يقول :
فرقت بين النصارى في كنائسهم |
|
والعابدين مع الأسحار والعتم |