يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [الأنعام : ١٢٥]. وهو سبحانه الخافض الرافع ، يخفض الكفار بالإشقاء والإبعاد ، ويرفع أولياءه بالتقرب والإسعاد ، ويداول الأيام بين عباده ، فيخفض أقواما ، يخمل شأنهم ، ويذهب عزهم ، ويرفع آخرين فيورثهم ملكهم وديارهم.
وهو سبحانه المعز المذل ، يعز أهل طاعته بالعز الحقيقي الذي لا يبطله شيء ، فإن المطيع لله عزيز وإن تحالفت عليه كل أسباب الذل والشقاء. ويذل أهل معصيته ذل شقاء وحرمان ، وذل خزي وخذلان ، فإن العاصي لله وإن ظهر بمظهر العز فحشو قلبه الذل وإن لم يشعر به لانغماسه فيما هو فيه من الشهوات.
فالعز كل العز في طاعة الله ، والذل كل الذل في معصيته.
وهو سبحانه المانع المعطي ، فلا معطي لما منع ، ولا مانع لما أعطى ، ولا ينفع ذا الجد منه الجد.
قال العلامة السعدي رحمهالله :
(وهذه الأمور كلها تبع لعدله وحكمته وحمده ، فإن له الحكمة في خفض من يخفضه ويذله ويحرمه ، ولا حجة لأحد على الله ، كما له الفضل المحض على من رفعه وأعطاه وبسط له الخيرات ، فعلى العبد أن يعترف بحكمة الله ، كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه وأركانه.
وكما أنه هو المنفرد بهذه الأمور وكلها جارية تحت أقداره ، فإن الله جعل لرفعه وعطائه وإكرامه أسبابا ، ولضد ذلك أسبابا ، من قام بها ترتبت عليها مسبباتها ، وكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة.
وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد الله والاعتماد على ربه في حصول ما يحب ويجتهد في فعل الأسباب النافعة ، فإنها محل حكمة الله) أه.
* * *