والفرقان. فإنهم يفرقون بين نور الذات والصفات ، وبين النور المخلوق الحسي منه والمعنوي فيعترفون أن نور أوصاف الباري ملازم لذاته لا يفارقها ، ولا يحل بمخلوق ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وأما النور المخلوق فهو الذي تتصف به المخلوقات بحسب الأسباب والمعاني القائمة بها والمؤمن إذا كمل إيمانه أنار الله قلبه ، فانكشفت له حقائق الأشياء ، وحصل له فرقان يفرق به بين الحق والباطل ، وصار هذا النور هو مادة حياة العبد وقوته على الخير علما وعملا وانكشفت عنه الشبهات القادحة في العلم واليقين والشهوات الناشئة عن الظلمة والغفلة ، وكان قلبه نورا وكلامه نورا وعمله نورا والنور محيط به من جهاته ، والكافر أو المنافق أو المعارض أو المعرض الغافل ، كل هؤلاء يتخبطون في الظلمات ، كل له من الظلمة بحسب ما معه من موادها وأسبابها والله الموفق وحده) أه.
ويظهر من هذا النص أن الشيخ السعدي قد تابع المؤلف في القول بأن أهل الاغترار والجهل حين تلوح في قلوبهم أنوار آثار العبادة تحملهم على الشطح والهذيان بكلمات تفهم الوحدة كقول أبي يزيد البسطامي قبحه الله : (سبحاني ما أعظم شاني) وقوله (انسلخت عن نفسي كما تنسلخ الحية من جلدها ، ثم نظرت فإذا أنا هو) أو تفهم معنى الحلول كقول الحلاج : (أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا).
وهذه غفلة من الشيخين غفر الله لهما وإسراف في حسن الظن بهؤلاء الصوفية قبحهم الله ، فإنهم لم يعبدوا الله عبادة صحيحة حتى تظهر عليهم أنوارها ، فإن شرط العبادة الصحيحة معرفة المعبود المعرفة الحقة بأسمائه وصفاته ، وهؤلاء الصوفية إنما عرفوه على الصورة التي رسمتها لهم شياطينهم ، وهو أنه ملك خليع يجب الرقص ويولع بالغناء وعاشق ولهان يبيح لمحبيه السكر والفجور ومضاجعة الغلمان ، فلم يزدادوا بعبادته إلا خبالا ، ولو كانوا قد عرفوه حق معرفته لهدتهم هذه المعرفة إلى سبيل الرشاد ، ولما وقعوا عند ظهور أنواره لهم في بوائق الكفر