العالم وما كان منها عدميا خارجه ، ولو أنكم فصلتم هذا التفصيل لهداكم إلى أن ما فوق العرش إنما هو حيز عدمي لأنه خلاء صرف ، إذ ليس وراء العرش جسم آخر وأن وجود الله سبحانه في حيز بهذا المعنى ليس مستحيلا ، وإنما المستحيل أن يكون في حيز من هذه الأحياز الوجودية داخل هذا العالم لما يلزم عليه من كونه محصورا في خلقه وكون الحوادث ظرفا له محيطة به.
وكذلك سميتم الاستواء على العرش تحيزا في المكان ، ولم تفرقوا كذلك بين الأمكنة الوجودية داخل هذا العالم ، فهذه هي التي لا يجوز حلول الله في شيء منها ، وأما الاستواء على العرش فهو تحيز في مكان عدمي ليس فيه شيء من الموجودات غيره سبحانه ، فلا يكون مستحيلا ولا ممتنعا ، لأنه لا يقتضي إحاطة الحوادث به ولا حلوله فيها ولا اتصاله بها وسميتم ما فوق السموات والعرش جهة ، ثم سقتم نفيكم للجهة عليه وجعلتموه مساويا لما يجب نفيه من الجهات حيث قلتم أن الله لا يجوز أن يكون في جهة من الجهات الست ومنها جهة الفوق. ولم تفرقوا كذلك بين ما كان من الجهات عدميا فوق هذا العالم حيث الخلاء الصرف والعدم المحض ، وبين ما كان منها وجوديا محصورا داخل أركان هذا العالم وموجوداته. وسميتم إثبات الصفات تشبيها وتجسيما ، وهذا محض الكذب والاختلاق ، فإنكم لم تفرقوا بين ما كان من الصفات من قبيل الأعراض التي تختص بالأجسام والمحدثات وبين ما كان منها من قبيل المعاني القائمة بموصوفها ، فإثبات الصفات لله بالمعنى الثاني لا يقتضي تشبيها ولا تجسيما إذ لا يلزم من إثبات الصفات لله أن تكون مثل صفات الأجسام المحدثة المخلوقة. ولو كان هذا لازما لكانت المماثلة لازمة لجميع الطوائف إذ لا يعقل وجود ذات مجردة من جميع الصفات.
وكذلك عرفتم الموصوف بأنه جسم قابل للأعراض والأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ، والألوان كالسواد والبياض والحمرة والصفرة ، مع أن الموصوف هو الذات التي تقوم بها الصفات ، وهذا أعم من أن يكون جسما أو غير جسم ، كما جعلتم الصفات كلها أعراضا قائمة بالأجسام ،