الشرح : وكذلك سميتم استواءه تعالى على العرش الثابت له بالأدلة الصريحة من الكتاب والسنة تركيبا لتتوصلوا بذلك إلى نفيه حيث قلتم لو كان فوق العرش بذاته لكان جسما فيكون مركبا ، والتركيب محال ، وسميتم ما وصف الله به نفسه من الوجه واليد واليدين والعينين واليمين ، وما وصفه به رسوله صلىاللهعليهوسلم من القدم والساق والاصبع ، ونحو ذلك أعضاء بل سميتموها جوارح ثم سطوتم عليها بعد ذلك بالنفي ، كما ينفى عنه العيب والنقص فسويتم بين ما أثبته لنفسه من الكمال ، وبين ما يجب تنزيهه عنه من النقص ، مع أنه لا يلزم أصلا من إثبات الوجه واليدين ونحوهما أن تكون في الله كما هي في الحيوان جوارح وأعضاء. وقلتم على سبيل التمويه والمغالطة ، إنما نفينا هذه الأشياء بقصد تنزيهه عن الأعراض والأغراض والأبعاض أي الأجزاء والجثمان أي الجسمية ، وبقصد تنزيهه أيضا عن أن تحل الحوادث بذاته مع أن قصدكم بذلك هو نفي صفاته وأفعاله واستوائه وحكمته ، تعالى الله عما تقولون علوا كبيرا.
ومن العجب أن الناس إلا أقلهم ممن عصم الله يحسبون أنفسهم في دائرة الألفاظ ويؤثر فيهم جرسها وطنينها ، فتذهلهم عما وراءها من معان ، فإذا سمعوا لفظا يوهم شيئا من النقص أو التشبيه فروا منه خشية الوقوع فيما ينافي السبحان ، أي التنزيه ، ومن العجب أن الناس أيضا كلهم إلا الفرد بعد الفرد تراه يقبل مذهبا إذا صيغ له في قالب معين من الألفاظ ، ثم يرفضه هو نفسه إذا صيغ في قالب آخر.
وجملة قولنا لهؤلاء النفاة أن ذات الله وصفاته وأفعاله لا يصح أن تنفى بهذا الهراء ، فإن العبرة ليست بما يتواضعون عليه من ألفاظ وأسماء ، بل بما وراء ذلك من معان ومدلولات ، فليسموا هذه الأشياء بما أرادوا ، فإن ذلك لن يغير من الحق شيئا.
* * *
كم ذا توسلتم بلفظ الجسم |
|
والتجسيم للتعطيل والكفران |