كل يناقض بعضه بعضا وما |
|
في الحق معقولان مختلفان |
وقضوا بها كذبا علي وجرأة |
|
منهم وما التفتوا إلى القرآن |
الشرح : يشكو المؤلف إلى ربه ما وصلت إليه الحال في عصره من فوضى اعتقادية لا ضابط لها ، ففي محيط الكلام والفلسفة والتصوف وجدت مذاهب وآراء تثير العجب وتحمل على التساؤل : هل يمكن أن يكون أصحاب هذه الأقوال مسلمين؟ فهي مذاهب وآراء دخيلة كلها على الإسلام ، ليست مستمدة من مصادره الأولى ، وإنما وردت عليه من ثقافات أجنبية وأولع بها القوم وافتتنوا بها افتتان بني اسرائيل بعجل السامري ، وهجروا من أجلها كتاب ربهم وسنة نبيهم صلىاللهعليهوسلم ، وخالفوا بها حكم الفطرة الهادي وآثار السلف الصالح ، ولم يكترثوا لهذا الهجران ولقد أمعنوا في الضلال والغي حين صرحوا بتقديمها على الوحي بحجة أن الوحي ظواهر لفظية لا تفيد اليقين ، فلا تغني شيئا عن طالب البرهان وأما العقل فحكمه قطعي ، فهو أولى أن يذهب إليه من تلك الظواهر.
ومن العجيب أن هؤلاء الذين اتفقوا على تقديم حكم العقل قد اختلفوا وتناقضت أقوالهم ، ثم ادعت كل فرقة منهم أن الحق ما قالته هي دون غيرها وأنه هو الموافق لحكم العقل ، فبأي عقل من هذه العقول المختلفة توزن اذا نصوص الكتاب والسنة؟ وبأي عقل منها يحكم على الله سبحانه؟ فإن كلا منهم يدّعي أنه قد جاء بالمعقول الصريح والبرهان القاطع ، فنحن في حيرة من أمر هؤلاء لا ندري يا رب إلى معقول من منهم نتحاكم عند الخصومة. ومن العجيب أنهم يجيئون بشبهات واهية ليست بنبع إذا عدت ولا غرب ولا تؤول إلى أي معقول ، وإنما هي من بنات الوهم ونسيج الخيال ، ثم يدعون أنها معقولة ببدائه العقول ، وأن العلم بها ضروري وأنها مكتسبة بالبرهان ، وكيف يتأتى أن تكون آراؤهم هذه أحكاما عقلية صحيحة مع تناقضها واختلافها ، وهل يمكن أن يكون في الحق معقولان مختلفان؟
ثم هم يقضون بأقوالهم هذه على الله كذبا عليه سبحانه وإمعانا في الجرأة