هربوا من الرق الذي خلقوا له |
|
فبلوا برق النفس والشيطان |
لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم |
|
فقد ارتضوا بالذل والحرمان |
لو ساوت الدنيا جناح بعوضة |
|
لم يسق منها الرب ذا الكفران |
لكنها والله أحقر عنده |
|
من ذا الجناح القاصر الطيران |
ولقد تولت بعد عن أصحابها |
|
فالسعد منها حل بالدبران |
لا يرتجى منها الوفاء لصبها |
|
أين الوفاء من غادر خوان |
طبعت على كدر فكيف ينالها |
|
صفو أهذا قط في الامكان |
يا عاشق الدنيا تأهّب للذي |
|
قد ناله العشاق كل زمان |
أو ما سمعت بل رأيت مصارع ال |
|
عشاق من شيب ومن شبان |
الشرح : ووالله لو كشف لك ما في صدور أهل الدنيا من شهوات وأحقاد لرأيتها تغلي كغلي المراجل ، تحتها نار شديدة الإيقاد ، لأنها تمد دائما بحطب من الشهوات المستعرة والحسرات المضطرمة والآلام الموجعة ، فهي لا تنطفئ أبدا ولا يخمد لها رماد : وهم قد حبسوا أنفسهم في سجن أبدانهم حتى صارت هذه الأبدان قبورا لهذه النفوس التي قبرت مع الأبدان ، وأرواحهم تعيش في غربة معهم لأنهم عزلوها عن عالمها الأصيل وحرموها غذاءها من الإيمان والمعرفة ، وعاشوا لهذه الأجسام يتعبون في تحصيل ما تتطلبه من متع وشهوات ، فكدحهم دائما في صيانة هذه الأبدان لا في رضى الرحمن.
والعجيب أنهم هربوا من العبودية التي خلقوا لها ، وهي العبودية لله التي تورث صاحبها العز والشرف ، فرماهم الله بالعبودية للنفس والشيطان فلا ترض أيها العاقل اللبيب أن تسلك سبيل هؤلاء ولا تختر لنفسك ما اختاروه لأنفسهم من ذل وحرمان ، ومن إيثار هذه الدنيا الفانية التي يقول فيها الرسول عليهالسلام «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء» فدل هذا على أنها أهون على الله من ذلك الجناح الضعيف الذي لا يقوى على الطيران.