الشرح : وأما الذين قالوا بالتوالد في الجنة فاحتجوا بأن في الجنة كل ما يشتهيه الإنسان لقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) [فصلت : ٣١] ومعلوم أن البنين من أعظم الشهوات للإنسان ، كما قال تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) [آل عمران : ١٤].
وأجيب عن هذا بأنه ليس كل ما يشتهى في الدنيا يشتهى في الآخرة ، بل أهل الجنة لا يشتهون فيها ولدا ولا حبلا. وأما المانعون للولادة فاحتجوا بأمور كثيرة منها : حديث أبي رزين أن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد ، وأن الحمل لا يكون إلا مع الحيض وإنزال المنيّ ، ونساء الجنة مطهرات من الحيض والنفاس وكل قدر. والجماع في الجنة يكون بغير إنزال ، كما جاء ذلك في حديث صدى ابن عجلان عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي معجم الطبراني من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل : (أيجامع أهل الجنة؟ قال : دحا دحا ولكن لا منى ولا منية).
وأجيب عن هذا بأن نفي الولادة في حديث أبي رزين واشتراط الحيض والإنزال فيها ، إنما هو بالنسبة للولادة المعهودة في هذه النشأة ، فنفيها لا يستلزم أن لا يكون هناك ولادة أصلا ، لجواز أن يكون هناك ولادة من نوع آخر لا يشترط فيها ذلك.
روى الحاكم عن أبي سهل قال : (أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث ـ يعني حديث الولادة في الجنة ـ وقد روى فيه غير إسناد. وسئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال : يكون ذلك على نحو مما روينا. والله سبحانه وتعالى يقول : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) [الزخرف : ١٧] وليس بالمستحيل أن يشتهي المؤمن الممكن من شهواته المصفى المقرب المسلط على لذاته قرة عين وثمرة فؤاد من الذين أنعم الله عليهم بأزواج مطهرة ، فإن قيل ففي الحديث أنهن لا يحضن ولا ينفسن فأين يكون الولد؟ قلت : (الحيض سبب الولادة الممتد مدة بالحمل