فالشيء ليس لنفسه ينفى لدى |
|
عقل سليم يا ذوي العرفان |
الشرح : فأنت إذا تأملت الوجود كله سماواته وأرضه ، ونظرت فيما اشتمل عليه من عجائب الخلق وأحكام الصنع ولطيف التدبير وكيف ربط الله بين أجزائه حتى غدت منسجمة متناغمة. وصار الوجود كله كأنه جسد واحد لرأيته (إن لم تكن ممن أعمى الله أبصارهم) خير شاهد بثبوت الصفات لله تعالى ، فإنه أثر لها دليل عليها إذ المفعولات دالة على الأفعال والأفعال دالة على الصفات ، فإن المفعول يدل على فاعل فعله وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لاستحالة صدور الفعل الاختياري من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا علم ولا إرادة.
ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوعة دال على إرادة الفاعل ، وما فيها من المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى وما فيها من النفع والإحسان والخير دال على رحمته ، وما فيها من البطش والعقوبة والانتقام دال على غضبه. وما فيها من الإكرام والتقريب والعناية دال على محبته إلخ.
وكذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام قد شهدوا لربهم بثبوت صفات الكمال له وأثنوا عليه بها ، كما نطق بذلك محكم القرآن.
وكذلك شهدت له به الفطرة المستقيمة التي لم تفسدها العوامل الخارجية من تلقين الأبوين أو تأثير البيئة أو نحو ذلك ، قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ٣٠] وقال عليه الصلاة والسلام : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه» كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ، وكذلك شهدت له به العقول المستنيرة التي انتفعت بما ألقى الله فيها من آيات الهدى ولم تزغ بتأثير الأهواء والأوهام المزلة.
أفتظنون أنا تاركو هذه الشهادات كلها وهي أقوم الشهادات وأعدلها من أجل شهادة جهمي مأفون لا يرجع في شهادته إلى صريح عقل ولا إلى صحيح