وأتى في ذلك بما يهز الشوق ويثير الأشجان ويطير بالأرواح إلى بلاد الأفراح التي صاغها ربنا جل وعلا لأوليائه فأحسن صوغها ، ونقاها من كل دنس وصفاها من كل كدر ، ووفر لهم فيها كل رفاهية ومتعة لأبدانهم ، في المطاعم والمشارب والمناكح والملابس والمناظر البهيجة والملك الكبير وكل سرور ولذة لأرواحهم وقلوبهم برضوانه والنظر إلى وجهه.
وما أروع قوله صلىاللهعليهوسلم في وصف الجنة فيما رواه عنه أسامة رضي الله عنه : «ألا هل من مشمر للجنة؟ فإن الجنة لا خطر لها ، وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة وخضر ، وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية».
أقول : بعد أن صاغ المؤلف هذه الأبيات من أشواق قلبه ونظمها من فيض عواطفه وآهات وجده قال : أي عذر لمن صدق بهذا النعيم والبهجة والعاقبة الحميدة الحسنة ، ثم ظل قلبه فيما هو فيه من رقدة وغفلة ، فإذا أفاق وصحا لم يصح إلى جدّ وتشمير وعمل ، بل إلى خمود وبلادة وكسل. أليس هذا دليلا على جمود قلبه ويبسه وأنه لم يتحرك فيه الشوق إلى بلوغ هاتيك المنازل الرفيعة والجنات الناعمة إذ لو شاقته لبذل في سبيلها كل غال ونفيس ، وسعى جهده في وصال عرائسها المجلوة الناعمات وكواعبها البيض الفاتنات اللائي يتفجرن شبابا ويتألقن جمالا ويفضن رقة وعذوبة ، واللائي لو جليت صفاتها ومحاسنها لجلمود صخر لرقت جوانبه وعاد من فوره كثيبا مهيلا ، لكن القلوب أصبحت في قساوتها وجمودها ويبسها أشد من الصخر ، فلا تهتز بشوق ولا تتحرك بعاطفة ، إذ لو هزك الشوق وكنت ذا حس مرهف لما تعوضت عن هذا النعيم الأعلى بالحقير الدون من متاع هذه العاجلة ولو صادفت منك هذه الصفات قلبا ينبض بالحياة والحركة ويدرك مقدار هذا المطلوب الأعظم لجد غاية الجد في طلبه وسعى الى تحصيله بكل ممكن وإلا فهل يليق بتلك الخود أن تزف إلى ضرير مقعد ، فما أشد حينئذ محنتها به وما أنكد عيشها معه ، وهل يليق بشمس تتفجر