وشأن القلب ليس كشأن الجسم ، بل هو دائم القلق والاضطراب لا يستقر على حال الا ويتطلع إلى أحسن منها ، فهو يطلب ما يسكن إليه وينعم بقربه ، كمثل العاشق الولهان ، ولكنه لا يسكن إلى شيء أبدا ، بل يحب هذا الآن ثم ينتقل منه إلى غيره مما هو أطيب وألذ ، وهكذا يظل متنقلا على مدى الأزمان ، بل لو ظفر بكل مليحة ورئاسة لم يقر قراره وظل في اضطراب وجولان ، بل لو حيزت له الدنيا كلها بما فيها من متع ورغائب لما قرت منه العينان ، فلا قرار للقلب ولا سكن إلا بالوصول إلى محبوبه الأول وهو الله جل شأنه ، فمعرفته والقرب منه هو غذاء القلوب وقوتها وسكنها وراحتها وغاية مطلوبها الذي لا تطمح إلى شيء وراءه. فمهما جلت بفؤادك بين مغاني الهوى وارتدت له آنق المرعى ، وجلبت له كل ما على الأرض من حسن فهو شاعر بالفقر والحرمان ، لأنه مضطر إلى محبوبه الأعلى جل شأنه ، فلا يتعوض عنه بأي حب كان. فصلاحه وفلاحه ونعيمه وأنسه وراحته وسكنه في توحيد حبه للرحمن ، فإذا ما أقفر من هذا الحب عاودته الحيرة والاضطراب ورجع إلى حاله من الاضطراب والجولان.
* * *
فصل
في زهد أهل العلم والإيمان وإيثارهم الذهب الباقي على الخزف الفاني
لكن ذا الإيمان يعلم أن ه |
|
ذا كالظلال وكل هذا فان |
كخيال طيف ما استتم زيارة |
|
الا وصبح رحيله بأذان |
وسحابة طلعت بيوم صائف |
|
فالظل منسوخ بقرب زمان |
وكزهرة وافى الربيع بحسنها |
|
أو لامعا فكلاهما أخوان |
أو كالسراب يلوح للظمآن في |
|
وسط الهجير بمستوى القيعان |
أو كالأماني طاب منها ذكرها |
|
بالقول واستحضارها بجنان |
وهي الغرور رءوس أموال المفا |
|
ليس الألى اتجروا بلا أثمان |