(خطاب الله المتعلق بأعمال المكلفين على سبيل الاقتضاء أو الندب أو التخيير) ويقسمونه إلى واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح ، فهذا الحكم هو متعلق إرادته الدينية الشرعية ، ويتناول كل ما كلف الله به عباده على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام من أفعال وتروك. وأما حكم كوني قدري يتعلق بكل ما شاء الله كونه مما سبق به قدره ، كما في قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] وفي الحديث «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» ولا تلازم بين الحكمين الشرعي والقدري ، وليس أحدهما مساويا للآخر في مفهومه ولا في متعلقه ، بل قد يوجد كل منهما بدون الآخر ، كما أنهما قد يوجدان معا ، فبينهما عموم وخصوص من وجه ، فالحكم الكوني القدري ينفرد في مثل كفر الكافر ومعصية العاصي ، فهو مراده بالإرادة الكونية دون الشرعية. والحكم الشرعي ينفرد في مثل إيمان الكافر وطاعة العاصي ، فهو مراد بالإرادة الشرعية دون الكونية ، ويجتمع الحكمان معا في مثل إيمان المؤمن وطاعة المطيع ، فهو مراد بالإرادتين معا. والإرادة الكونية أعم من جهة تعلقها بما هو واقع مما لا يحبه الله ويرضاه من الكفر والمعاصي ، وأخص من جهة أنها لا تتعلق بما ليس بواقع مما يحبه الله ويرضاه من إيمان الكفار وطاعة العصاة.
والإرادة الشرعية أعم من جهة أنها تتعلق بكل ما يحبه الله ويرضاه واقعا كان أو غير واقع. وأخص من جهة أنها لا تتعلق بما هو واقع من الكفر والمعاصي المرادة بالإرادة الكونية وعلى كل فلا يمكن أن يخلو المربوب عن أحد الحكمين ، بل لا بد أن يوجد فيه أحدهما أو هما معا فلا يمكن ارتفاعهما عنه ، لكن الحكم الشرعي يتعلق كما قلنا بما يحبه الله ويرضاه دائما ، ولم يخل عنه الوجود في وقت من الأوقات ، بل لم يزل الله آمرا ناهيا متعبدا عباده بما يشاء. فالحكم الشرعي هو أمره الديني الذي بعث به رسله وأمرهم بإقامته في جميع الأزمان.
وأما حكمه الكوني فهو قضاؤه في خلقه بالعدل والإحسان ، فأفعاله كلها في خلقه دائرة بين الرحمة والفضل ، وبين الحكمة والعدل ، فقضاؤه سبحانه حق كله