وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه ، فأي حكمة أجل من هذا؟ وأي فضل وكرم أعظم من هذا؟ فإن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص العمل له وحمده وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم فلو لم يكن في شرعه وأمره هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء ، وخلقت الجنة والنار لكانت كافية شافية.
هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير ، فأخباره تملأ القلوب علما ويقينا وإيمانا وعقائد صحيحة ، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها ، وتثمر كل خلق جميل ، وعمل صالح وهدى ورشد ، وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ولا ينهى إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.
ومن حكمة الشرع الإسلامي أنه كما أنه الغاية لصلاح القلوب والأخلاق والأعمال والاستقامة على الصراط المستقيم ، فهو الغاية لصلاح الدنيا ، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحا حقيقيا إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ، فإن أمة محمد لمّا كانوا قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه كانت أحوالهم في غاية الاستقامة والصلاح.
ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيرا من هداه ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم.
وكذلك أنظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القوة والحضارة والمدنية مبلغا هائلا ، لكن لما كانت خالية من روح الدين ورحمته وعدله كان ضررها أعظم من نفعها ، وشرها أكبر من خيرها ، وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها ، ولن يقدروا على ذلك ما داموا على حالهم ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه