فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من ربه ، فمحبة قبلها صار بها محبا لربه ، ومحبة بعدها شكرا من الله له على محبة صار بها من أصفيائه المخلصين وأعظم سبب يكتسب به العبد محبة ربه التي هي أعظم المطالب الإكثار من ذكره والثناء عليه وكثرة الانابة إليه وقوة التوكل عليه ، والتقرب إليه بالفرائض والنوافل ، وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال ومتابعة النبي صلىاللهعليهوسلم ظاهرا وباطنا كما قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١] أه.
وأما الشكور فورد كذلك مقترنا باسمه الغفور في قوله تعالى على لسان أهل الجنة : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر : ٣٤].
ومقترنا باسمه الحليم في قوله : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [التغابن : ١٧] ومعنى الشكور الذي يتقبل أعمال عباده ويرضاها ويثيبهم عليها ويضاعفها لهم أضعافا كثيرة على قدر إخلاصهم فيها واتقانهم لها ، كما قال تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠].
وقد ضرب الله في كتابه مثلا للنفقة التي تنفق في سبيله بحبّة أنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، ثم قال بعد ذلك : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] إيذانا بأن المضاعفة قد تتجاوز هذا القدر لمن يشاء. وفي الحديث الصحيح «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يقبل الله إلا الطيب ، فإن الله يتلقاها بيمينه فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير مثل الجبل العظيم».
فسبحان من وفق عباده المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك بحسن ثوابه وجزيل عطائه ، منة منه وتفضلا لا حقا عليه واجبا ، بل هو الذي أوجبه على نفسه جودا منه وكرما.
* * *