الشرح : هذا تفسير لا سميه الكريمين (الودود والشكور) وقد ورد كل منهما في الكتاب العزيز ، فالودود ورد مرة مقترنا باسمه الرحيم في قوله تعالى من سورة هود على لسان شعيب عليهالسلام يا قوم : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [٩٠].
وورد مرة أخرى مقترنا باسمه الغفور في قوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) [البروج : ١٤].
والودود مأخوذ من الود بضم الواو بمعنى خالص المحبة. وهو أما من فعول بمعنى فاعل ، فهو سبحانه الواد أي المحب لأنبيائه وملائكته وعباده الصالحين وأما من فعول بمعنى مفعول ، فهو سبحانه المودود المحبوب لهم ، بل لا شيء أحب إليهم منه ، ولا يمكن أن يعدلوا بمحبته غيره من جميع المحبوبات ، لا في أصل المحبة ولا في كيفيتها ، ولا في متعلقاتها ، وهذا هو الواجب أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة وغالبة لها ويتعين أن تكون بقية المحاب تابعة لها.
يقول العلامة الشيخ السعدى رحمة الله :
«ومحبة الله هي روح الأعمال ، وجميع العبودية الظاهرة والباطنة ناشئة عن محبة الله ومحبة العبد لربه فضل من الله وإحسان ، ليست بحول العبد ولا قوته ، فهو تعالى الذي أحب عبده ، فجعل المحبة في قلبه ، ثم لما أحبه العبد بتوفيقه جازاه الله بحب آخر ، فهذا هو الإحسان المحض على الحقيقة ، إذ منه السبب ومنه المسبب. ليس المقصود منها المعاوضة ، وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده ولشكرهم ، فالمصلحة كلها عائدة إلى العبد ، فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في قلوب المؤمنين ، ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب الاصفياء إلى حالة تتضاءل عندها جميع المحاب وتسليهم عن الأحباب ، وتهون عليهم المصائب وتلذذ لهم مشقة الطاعات وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبة الله والفوز برضاه والأنس بقربه.