وآية ثالثة دلّت على اعتبار الاهتداء المطلق في إمام المسلمين ، فلا يرجع في فهم الشريعة في جميع مناحيها إلى غيره إطلاقا ، وإنّما هم يرجعون إليه في جميع المسائل في الاصول والفروع فلا بدّ أن يكون صالحا للإجابة الوافية على كلّ مسائل الشريعة ، سواء أكان في العبادات أم في السياسات فيما يعود إلى إصلاح شؤون العباد وإدارة البلاد على الإطلاق.
وهذا ما يعزّى إلى خليل بن أحمد النحوي ، حيث سئل عن سبب تقديمه للإمام أمير المؤمنين عليهالسلام على غيره ، فقال : استغناؤه عن الكلّ ، واحتياج الكلّ إليه ، دليل على أنّه إمام الكلّ. وهو كما ذكر صحيح لا مرية فيه ، حسب دلالة الآية الكريمة في قوله عزّ من قائل : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). (١)
فقد روى القمّي بإسناده عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : فأمّا من يهدي إلى الحقّ فهو محمّد صلىاللهعليهوآله وآل محمّد عليهمالسلام من بعده ، وأمّا من لا يهدّي فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده. (٢)
فقد عرفت كيف يستفاد ـ من ضمّ الآيات الكريمة بعضها إلى بعض ـ أكبر شأن من شؤون الإمامة الكبرى ، حسبما رسمها الإسلام وبيّنه القرآن بوضوح ، لو تدبّره متدبّر بإمعان وعن يقين وإيمان ، وكان على نور من ربّه (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٣) نعم (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ). (٤) قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ). (٥)
وأمّا قوله عليهالسلام : «فيه مسمّين» فلا يريد التسمية بهذا الأسم ، بل بذكر السمات والنعوت الدالّة على فضيلة الاختصاص ، حسبما عرفت.
__________________
(١) ـ يونس ١٠ : ٣٥.
(٢) ـ الصافي في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٧٥٢.
(٣) ـ الزمر ٣٩ : ٢٢.
(٤) ـ النور ٢٤ : ٤٠.
(٥) ـ الأعراف ٧ : ١٤٦.