وإذا كانت المعتزلة تختلف وجهة نظرها حول «توحيد الأفعال» وكذلك الأشاعرة تختلف حول «توحيد الصفات» فإنّ جميع المذاهب والطوائف الإسلامية تتفق حول «توحيد العبادة» ولا مجال لإنكاره ، وإن كان هناك اختلافٌ فإنّما هو في المصاديق لا في الأصل ، أي أنّ البعض كالوهّابيّين يعتبرون بعض الأفعال (كالتبرّك) عبادة ، في حين يعتبره سائر المسلمين تكريماً وتعظيماً لا غير.
وبالاصطلاح المنطقي : إنّ الاختلاف إنّما هو في «الصغرى» ـ وهو : هل أنّ هذا الفعل عبادة أو لا؟ ـ ولا اختلاف في «الكبرى» ـ وهو : لا تجوز عبادة غير الله قطُّ؟ فهذا متَّفق على عدم جوازه ـ.
وبعبارة أُخرى : إنّ الاختلافات إنّما هو في سلسلة أعمال يعتبرها الوهّابيّون عبادة ، ولكن غيرهم من المسلمين ـ في العالم كلّه ـ لا يعتبرونها عبادة أصلاً.
فالمفروض أن نوضّح معنى «العبادة» على ضوء القرآن الكريم أيضاً ، وعند ذلك ستتّضح المصاديق ـ المختلف فيها ـ بنفسها تلقائياً ، ويظهر لنا ـ بالتحديد والتحقيق ـ معنى «العبادة».
تحديد معنى العبادة والتعريف الكامل لها
إنّ «العبادة» معناها ومفهومها واضح في اللغة العربية ، ولو لم نتمكّن من تعريفها تعريفاً منطقياً بكلمة واحدة ، فهي كالأرض والسماء اللّتين لهما معنيان واضحان ، بالرغم من أنّ الكثير منّا لا يستطيع تحديدهما بكلمة واحدة تحديداً كاملاً ، ولكن ذلك لا يمنع من تجسّم معنى الأرض والسماء في أذهاننا عند سماع لفظيهما.
ف «العبادة» و «التعظيم» و «الاحترام» و «التكريم» كالسماء والأرض وغيرهما