وقال القرطبي : لم يلعن النبي كلّ امرأة تزور القبور بل لعن المرأة التي تزور القبور دوماً ، والدليل على ذلك قوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : زوّارات القبور ، وكلمة «زوار» هي صيغة المبالغة وتدلّ على الكثرة والتكرار.
أقول : إنّ أمر هذا الحديث دائر بين كونه منسوخاً أو مخصصاً ، فلو ورد قبل الترخيص كان عموم الترخيص «فزوروا» ناسخاً والحديث منسوخاً وإن ورد بعد الترخيص يكون مخصصاً ، فإذا دار أمره بين كونه متروكاً أو معمولاً به فلا يحتج به.
الثاني : ما أخرجه ابن ماجة عن ابن الحنفية عن علي ، قال : خرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فإذا نسوة جلوس ، فقال : ما يجلسكنَّ؟ قلنَ : ننتظر الجنازة.
قال : هل تغسلن؟ قلن : لا ، قال : هل تحملن؟ قلن : لا.
قال : هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن : لا.
قال : فأرجعنَ مأزورات غير مأجورات. (١)
انّ الحديث قاصر سنداً ودلالة.
أمّا السند ففيه دينار بن عمر (أبو عمر).
قال أبو حاتم في حقّه : إنّه ليس بالمشهور ، وقال الأزدي : متروك ، وقال الخليل في الإرشاد : كذّاب ، وقال ابن حبان : يخطئ.
فهل يمكن أن يستدل بحديث كهذا.
وأمّا الدلالة ففيها أوّلاً : أنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يذم النسوة اللواتي لم يكن لهنّ أيّة مسئولية في تجهيز الميّت ، وإنّما جلسنَ للنظر والمشاهدة ، وإلّا فلو كان لهنّ مهمة
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٢ ، باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز ، الحديث ١٥٧٨.