معينة فتنعكس القضية ، ويكنّ مأجورات لا مأزورات ، ولذلك سألهن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عن وجه جلوسهن فلمّا علم حالهنّ ندد بهنّ.
وثانياً : أنّ غاية ما يمكن حمل الرواية عليها هو النهي عن اتّباع النساء الجنائز ، وقد نقله الترمذي أيضاً تحت هذا العنوان وهو أمر مكروه بالاتّفاق ، ويدلّ عليه حديث أُمّ عطية حيث قالت : «نهينا عن اتّباع الجنائز ، ولم يعزم علينا». (١)
قوله : «ولم يُعزم علينا» أي ولم يوجب علينا ، والمراد انّه لم يقطع علينا بالنهي ليكون حراماً فهو مكروه تنزيهاً. (٢)
وأين هذا ممّا نحن فيه من زيارة القبور للنساء حيناً بعد حين؟!
وختاماً نلفت نظر القارئ إلى نكتة ، وهي : انّ الإسلام دين الفطرة ، والشريعة السهلة السمحة.
قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «إنّ هذا الدين لمتين فأوغلوا فيه برفق».
فمنع المرأة المؤمنة الصالحة التي دفنت فلذة كبدها تحت ركام من التراب عن زيارة قبر ولدها على طرف النقيض من الشريعة السهلة السمحة ، التي لا تجبر أحداً على كبت أحاسيسه وعواطفه في قلبه دون إظهارها.
الآن حصحص الحقّ وبان بأجلى مظاهره وتبين انّ القول بالجواز هو القول الحقّ المتعيّن.
أرجو من الله سبحانه أن يحقّ الحقّ ويبطل الباطل ويجمع شمل المسلمين ، ويرزقهم توحيد الكلمة كما رزقهم كلمة التوحيد ، والمسلمون ـ مع تفرّقهم في الفروع والأحكام ـ تجمعهم مشتركات عديدة.
__________________
(١) و (٢) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٢ ، باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز ، الحديث ١٥٧٨.