إنّ كلمة «توفّى» لا تعني الإماتة ـ كما هو معروف ـ بل تعني الأخذ والقبض ، ولهذا فإنّ قوله تعالى : (يَتَوَفَّاكُمْ) معناه : يأخذكم ويقبضكم ، وإنّما يكون هذا التعبير صحيحاً إذا كانت الروح هي الوجود الحقيقي للإنسان ، فهي الّتي «تُقْبَض» و «تؤخَذ».(١)
أمّا لو كانت الروح تُشكّل جزءاً من شخصية الإنسان والجزء الثاني هو جسمه ، فإنّ هذه العبارة تكون مَجازاً ، لأنّ المفروض أنّ مَلَك الموت يقبض أحد الجزءين ـ وهو الروح ـ وأمّا الجزء الثاني ـ وهو الجسد المادّي ـ فهو يتركه باقياً في الدنيا ، ثمّ يودَع في القبر ولا علاقة لَمَلِك الموت به.
إنّ هذه الآية التي تدلّ على أنّ ملك الموت يأخذ الإنسان كلّه وهو محفوظ عند الله إلى يوم القيامة تكشف عن أنّ الروح هي واقع الإنسان ومصدر تكامله النفسي والمعنوي ، كما أنّ الجسد بمثابة الرداء الّذي يغطّي الروح ويكسوها.
والقرآن الكريم لا يعتبر الموت فناءً للإنسان وخاتمةً لحياته ، بل إنّه يؤكّد ـ وخاصّة للشهداء والصالحين ، والمجرمين أيضاً ـ أنّ لهم حياة أُخرى تسبق يوم القيامة ، وأنّ تلك الحياة مصحوبة بالفرح والبشرى أو بالعذاب الأليم.
فإذا كانت حقيقة الإنسان كامنة في جسده ، فلا شكّ أنّ جسده سوف يتلاشى بعد أيّام من موته ودفنه ، ويتحوّل إلى عناصر أُخرى ، فأين الإنسان الباقي بعد موته وتلاشي جسده الذي أخبر عنه الذكر الحكيم في الآيات السابقة؟
٣. الاتصال بعالَم الأرواح
هل يمكن الاتصال بعالَم الأرواح؟
__________________
(١) لقد أجرى المرحوم العلّامة البلاغي بحثاً قيّماً حول كلمة «توفّى» في مقدّمة تفسير آلاء الرحمن : ٣٤.