إنّ الإنسان يعتمد على الله ويستعين بقدرته في كلّ عمل ـ سواء كان مادّيّاً أو خارجاً عن حدود المادّة ـ والكثيرون يحصلون على قدرات اكتسابية ويستغلّونها للوصول إلى أهدافهم المنشودة ، فهل أنّ طلب الفعل من هؤلاء شرك بالله؟!
إنّ نقطة الانحراف عن التوحيد تكمن في الاعتقاد المقرون بالطلب ، فإذا كان طالب الحاجة ـ من أحد أولياء الله ـ يعتقد باستقلال ذلك الوليّ فقد اعتبره مستغنياً بالذات ، ومعنى ذلك أنّه اعتبره مُستغنياً عن الله ، وهذا هو الشرك ، لأنّه لا مستغني بالذات سوى الله الواحد الأحد سبحانه ، وقد كان كثير من المشركين ـ في العهد الجاهلي وعند طلوع الإسلام ـ يعتقدون هذا الاعتقاد بالنسبة إلى الملائكة والنجوم وأنّ الله خلقها وفوّض إليها إدارة الكون وتدبيره ، تفويضاً مستقلاً تماماً (١) أو ـ على الأقل ـ أنّها تملك الشفاعة والمغفرة ، وتتصرّف كما تشاء حيث تشاء.
المعتزلة والشِّرك
أمّا فرقة المعتزلة (٢) فهي تعتبر الإنسان من حيث الوجود مخلوقاً لله تعالى ، ولكنّها ـ في الوقت نفسه ـ تعتبره مستقلاً من حيث التأثير في الأشياء وإنجاز الأفعال ، ولو أنّ المعتزلة تأمّلوا قليلاً في قولهم هذا ، لأدركوا بأنّ في هذه العقيدة نوعاً من الشرك الخفي ، ولكنّهم في غفلة منه.
__________________
(١) ولذلك عند ما سأل عمرو بن لحي أهل الشام عن علّة عبادتهم للأصنام؟ قالوا ـ في جوابه ـ : إنّنا نطلب المطر من هذا الأصنام فتسقينا ، ونستعين بها فتُعيننا ، وبهذا الاعتقاد اصطحب عمرو معه «هُبَل» وجاء به إلى مكّة. راجع سيرة ابن هشام : ١ / ٧٧.
(٢) كما أنّ مذاهب السُّنَّة تنقسم ـ في فروع الأحكام ـ إلى المذاهب الأربعة كذلك تنقسم في الأُصول والمعارف إلى قسمين : الأشاعرة والمعتزلة.